للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام لم يرتفع بالإنسانة الأنثى إلى مصاف المساواة مع أخيها الرجل فحسب. . وإنما أبرز لها صفحة أخرى. . صفحة الكائن الفذ الذي لا يضيع رأيه في غمار الآراء. . أليست " خولة بنت ثعلبة " هي التي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو له زوجها أوس بن الصامت. . حين قال لها: " أنت علي كظهر أمي " وكان الرجل في الجاهلية إذا قال مثل هذا لزوجته حرمت عليه، ثم دعاها. . فأبت، وقالت: والذي نفس خولة بيده، لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله.

ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله. . إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب في، فلما خلا سني، ونثرت بطني، جعلني عليه كأمه وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني بها وإياه فحدثني بها. .

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن. . وما أراك إلا قد حرمت عليه» فقالت: " ما ذكر طلاقا يا رسول الله؟ وأخذت تجادل النبي وتكرر عليه القول، والنبي لا يزيد على أن يقول لها: «ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن» ... هنالك تلجأ المرأة إلى أمومتها عساها أن تطرق بها باب السماء فينفتح. . أو تعطف بها قلب الرسول فيضرع من أجلها لله. .

فتقول: يا رسول الله. . إن لي منه صبية صغارا. . إن ضممتهم إليه ضاعوا. . وإن ضممتهم إلي جاعوا، وجعلت ترفع طرفها إلى السماء وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك. . وما برحت حتى نزلت الآيات إرسالا:

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (١) {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (٢) {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (٣) {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٤)

في القرآن مجالات أخرى تتألق فيها كرامة المرأة " كأم " وإن لم تكن هذه المجالات مفتوحة أو مباشرة، ولكنها أبدا لا تستتر أمام من يحاول التعمق، أو يجهد في البحث، أو يتأنى في تأمل الآيات. .

إنني ألمح من وراء الموقف القرآني في لحظات الطلاق، بالتحكيم، والوعظ، والهجر، والضرب قبل


(١) سورة المجادلة الآية ١
(٢) سورة المجادلة الآية ٢
(٣) سورة المجادلة الآية ٣
(٤) سورة المجادلة الآية ٤