ولم يكن لحديث الإيمان محل قبل ذلك إلا في مناسبات خاصة كأوقات الحروب والثورات، أو الخطب التي لا معنى لها عندهم. .
* * *
ولكن حدث منذ أوائل هذا القرن أن بدأت أوروبا وغيرها بالشعور بضرورة الإيمان وبأن تقوم على أساسه روح شعبية تدفع الجماعة إلى الأمام.
فالموظف يجب - وهو يعمل - أن يشعر أن عواقب إدارته وآثارها تعود عليه.
وأن صالحها وسيئها إنما ينصرف إليه وإلى أسرته في صميم حياته الخاصة ومختلف ما يحتاج إليه.
وكذا القاضي فإنه يجب أن يعلم أن آثار العدالة تعم الجميع وتناوله فيمن تنصرف إليه من المواطنين. وإذا ساعد اليوم على إرساء الظلم فستدور عليه دوائره غدا.
وكذا المشرع الذي يسن القوانين، فإنه سينطبق عليه كمن ينطبق عليه من عامة الشعب.
وبذلك تكون السلطة من الشعب وإلى الشعب، إذ يتولاها الموظف أو القاضي أو المشرع كفرد من الشعب يعمل بروحه الشعبية وعالما بأن مآل عمله إليه وإلى أفراد أسرته وأهله كجزء من الشعب.
وبهذا بدأ النظام الإداري يتجه إلى أن يقوم على أساس الروح الشعبية، وإن كان هذا الاتجاه لم يستقر تماما ولم يتأسس بعد على وجهه؛ لأن الواقع أن " الإيمان " والحاجة إليه في تلك البلاد لم يتغلغل إلى صميم الناس بعد، وما زالوا في غفلة لاعبين، وإنما عرف مفكروهم ومنظموهم أخيرا قيمة الحاجة إليه، وشرعوا في التنبيه له والتنظيم على أساسه. وبديهي أن " إيمانهم " كإيماننا. . وهذا موضوع آخر لا نريد أن نخوض فيه الآن لضيق المجال. وقد ظهرت آثار هذه الاتجاهات الشعبية في الوسائل الجديدة التي بدأت تظهر في مجالات الأعمال العامة.
من ذلك توسيع حقوق الأفراد في الطعن في القرارات العامة، حتى أراد البعض أن يقرر ما يسمى " بالدعوى الشعبية " وهي أخت دعوى الحسبة وقرينتها، ولكن الأفكار الوضعية الكليلة لم تحتمل مثل هذا التقدم الشديد.