للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضا: ولا يجوز أن يؤخذ من السارق والزاني والشارب وقاطع الطريق ونحوه مال يعطل به الحد لا لبيت المال ولا لغيره، وهذا المال المأخوذ لتعطيل الحد سحت خبيث، وإذا فعل ولي الأمر ذلك جمع بين فسادين عظيمين: تعطيل الحد وأكل السحت، وترك الواجب وفعل المحرم. اهـ كلامه.

وذلك أن الغرامة المالية مهما بلغت لا تنكأ المجرم ولا تقطع دابر الجريمة كما يحصل ذلك بإقامة الحد الشرعي، ومثل الغرامة المالية الاعتياض عن إقامة الحد بسجن المجرم، كل هذا لا يروي غليلا ولا يشفي عليلا، فإقامة الحدود الشرعية فيها من المصالح العظيمة لمن تقام عليه وللمجتمع الذي تقام فيه ما هو مشاهد ومحسوس، وبها صلاح العباد والبلاد وتوفر الأمن واستقراره، قال صلى الله عليه وسلم: «لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحا (١)» رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.

وفي رواية ابن ماجه وابن حبان: «خير من أن يمطروا أربعين صباحا (٢)» فكما أن المطر فيه صلاح الأرض ومصالح العباد، فإقامة الحد أكثر نفعا من المطر؛ لأن به تطهيرهم من الرذيلة وتوفير أمنهم واستقرارهم.

ولهذا نرى أن المجتمع الذي يحكم بشريعة الله وتقام فيه الحدود يكون مضرب المثل في الأمن والاستقرار وانخفاض معدل الجرائم، ونجد أن المجتمع الذي يحكم بغير شريعة الله وتعطل فيه الحدود يصبح مضرب المثل في الفوضى والخوف والقلق، ولو كان من أرقى دول العالم صناعيا وماديا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم (٣)» رواه ابن ماجه.

ذلك هو الإسلام الذي شهد الله له بالكمال وأتم علينا به النعمة كما


(١) سنن النسائي قطع السارق (٤٩٠٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٠٢).
(٢) سنن النسائي قطع السارق (٤٩٠٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٨).
(٣) سنن ابن ماجه الفتن (٤٠١٩).