للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على العقوبة وشدة البطش بأصحاب الجرائم، وإنما يعتمد على غرس الإيمان في القلوب وزرع الخشية الإلهية في النفوس حتى تترك الإجرام رغبة عنه وكراهية له، بل تقوم بمقاومته والنهي عنه، ثم يتبع ذلك الوعظ والتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأجل تعليم الجاهل وتذكير الغافل والأخذ على يد السفيه عن الوقوع في الجرائم، ثم يتبع ذلك تطبيق العقوبات الشرعية على من لم تجد فيه الموعظة ولم تؤثر فيه النصيحة ولم يأتمر بالمعروف وينته عن المنكر فالعقوبة آخر مرحلة كما يقال:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى

فالذين يظنون أن الأمن في الإسلام يقوم على مجرد العقوبة بقطع الأيدي والرقاب والجلد قد أساءوا الظن ولم يفهموا واقع الإسلام، وهم إما جهلة أو مغرضون يريدون تشويه الإسلام؛ لأن الإسلام لا يلجأ إلى العقوبة إلا كحل أخير وبشروط دقيقة إذا توفرت تحتم إيقاع العقوبة، وتكون حينئذ واقعة موقعها اللائق ولا يقوم غيرها مقامها، وحينئذ لا تجوز الحيلولة دون إقامتها بشفاعة أو رأفة بالمجرم قال الله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (١).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله عز وجل (٢)» رواه أبو داود، كما لا تجوز المعاوضة عن الحد بالغرامة المالية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولا يحل تعطيله (أي الحد) لا بشفاعة ولا هدية ولا غيرها ولا تحل الشفاعة فيه، ومن عطله لذلك وهو قادر على إقامته فعليه لعنة الله.


(١) سورة النور الآية ٢
(٢) سنن أبو داود الأقضية (٣٥٩٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٧٠).