للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الظاهرة العامة توجد فوارق شديدة من مركز الفرد المسلم في المجتمع الإسلامي، ومركز الفرد المواطن في المجتمع الحديث: أولا: أن الحقوق والحريات في المجتمع الإسلامي هي تكاليف وليست تمتعا ذاتيا كما في المجتمع العصري.

ومن أجل ذلك عنيت كتب أصول الفقه بأبواب. " التكليف " ونظرت إلى مراكز الأفراد على أنها وسائل في سبيل الله سبحانه وتعالى.

فالفرد يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ويجب أن تتوجه نواياه نحو الإخلاص لله.

ومن أظهر ما يظهر فيه ذلك: أن يراقب صالح عامة المسلمين وصالح الكافة في أعماله، وهذا يجعله أصيل في متابعة المصالح العمومية.

ثانيا أن الفرد في المجتمع الإسلامي لا يمارس حقوقه فقط كعضو في هيئة، بل بصفة أصلية مباشرة وقد يتأتى أن يمثل الفرد المسلم في المجتمع كافة المسلمين، بما يقوم به لقوله صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة ويسعى بها أدناهم (١)» قيل: أي أقلهم كالمرأة والرقيق، وقيل: أقربهم؛ لأنه أولى بأن يجير ويبادر. وقد استند الفقهاء إلى هذا الحديث في أبواب الإمامة. ولكن أراه - والله أعلم - أولى بأن يعمل به في مختلف الأبواب لما قلناه من أن إقامة المصالح فرض كفاية يسد مسد قيام الكافة به. ولذلك فقيامه بالمصلحة على هذا الأساس يكون عن المسلمين جميعا، وهم يعتمدونه ما دامت طبقا لما أنزل الله وما تدور عليه المصالح الشرعية بلا خفاء لوضوح أسس النظام الإسلامي وثباته.

ثالثا: أن ما تقدم استتبع أن يمكن المسلم من وسائل إيجابية للقيام بما تقدم، بأن يستعمل إمكانياته كوسائل لتحقيق ما أمر الله به ومنع ما نهى الله عنه. وهذه الوسائل الخاصة هي محل الكلام في الحسبة وطرقها ومراتبها. فإن صلب هذا الباب وقوامه هو تحقيق هذه الطرق وهذه المراتب على وجه يحقق المصالح الشرعية المقصودة ويوازن بين مختلف المصالح التي تعتمل حولها النوازل.

وقد تصل هذه الطرق إلى درجة أخذ الحق باليد وتغيير الباطل بالفعل المباشر، بأن يقوم المسلم بتغيير المنكر بيده لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده (٢)». . . الحديث.

ويختلف ذلك من مذهب إلى مذهب، وفي الغالب بسب الدرجة الحضارية التي عاش فيها المذهب، إذ أنني لاحظت - والله أعلم - أن أحكام مذهب عاش في الأطراف وفي الجماعات التي لم تنتظمها دول قوية


(١) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٣٠٠)، صحيح مسلم الحج (١٣٧٠)، سنن الترمذي الولاء والهبة (٢١٢٧)، سنن النسائي القسامة (٤٧٣٤)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٥١).
(٢) صحيح مسلم الإيمان (٤٩)، سنن الترمذي الفتن (٢١٧٢)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٩)، سنن أبو داود الصلاة (١١٤٠)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٢٧٥)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٥٤).