كمذهب الأباضية مثلا - تختلف عن أحكام المذاهب التي عايشت الدول القوية كالحنفية مثلا. إذ أن الأولى تسمح للمسلم دائما أن يغير بيده، بينما تتجه الثانية في الغالب إلى أن يقوده إلى السلطان أو الحاكم (القاضي) وبعضها الآخر - وهو الغالب - يضع حكما احتياطيا بصفة دائمة إذا لم يوجد سلطان أو حاكم.
ولا يكاد يوجد خلاف في المذاهب في إتلاف آلات اللهو والكفر وإراقة الخمر عند القدرة وأمن الفتنة وهذه كلها من وسائل " التنفيذ المباشر " بالمصطلح الحديث وهو لا يجوز في القانون الحديث، فلا يسمح للإنسان فيه أن يسترد ماله من غاصب - وهو جائز عندنا في الإسلام - ولا يجوز في القانون الحديث بأي حال " أخذ الحق باليد " على حد تعبيرهم. ومن أجل ذلك فإن النظم الحديثة تعتمد على الدولة فقط وتنهدم تماما بانهدامها، بينما يبقى الإسلام ما استدار الزمان وتغيرت أحواله. وما كان الله ليجعل قيام الإسلام رهين أحوال الدولة وإلى الله ترجع الأمور. وكذلك فإن الإسلام يزود الفرد بوسيلة قضائية عظيمة القيمة هي دعوة الحسبة.
* * *
وفي الواقع فإن هذه الدعاوى الثلاث التي عرفها النظام الإسلامي، وهي الدعوى القضائية العادية، ودعوى الحسبة، ودعوى المظالم، تهيئ حماية كاملة للتطبيق الإسلامي بتكامل وتكفل حماية ممارسة الفرد لواجباته الشرعية بمأمن تام وتوازن بالغ.
فإنه إذا قام المسلم - مثلا - بإتلاف آلة للفسوق فإن هذا العمل المباشر يقوم مقام رفعه الدعوى أمام القاضي بطلب إتلافها واستصدار الحكم اللازم وتنفيذه فورا على الفاسق، الذي يكون - في الواقع، مدعا عليه في الأصل. . ولكن هذه الوسيلة الباهرة تضطر هذا الفاسق إلى الابتداء بالدعوى والتقدم بها إذا تظلم من إتلاف آلته أو منعه بالقوة عن فسوقه. . ويصير المسلم الذي منعه عن هذا المنكر وكأنه المدعى عليه فيها، ولا يخفى ما يتمتع به المرفوع عليه الدعوى من امتياز في الإجراءات، وما يتكلفه رافعها من صعوبة. . كما أنه إذا كان المنتظر - بسبب تطبيق قواعد الإسلام على وجهها الصحيح - أن الدعوى التي يقيمها الفاسق في هذه الحالة سيكون نصيبها الرفض والخسران، فإنه - في الواقع - سيضطر إذن إلى عدم الاعتراض والسكوت، مما إلى جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما دام القضاء والسلطة يؤيدان من يقوم بها.
وبذلك تؤدي هذه الوسائل وظيفتها بأمان تام من الفتنة، ولو أنها نفذت تنفيذا جبريا بالطريق المباشر بين الأفراد.