للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تمر بها الحضارة. . . ولا تسقط الحضارات لأنها خلو من هذه العناصر، بل إنما تسقط الحضارات عندما تطغى نسبة عنصر على عنصر، فعندما يعبد الإنسان الفرد، ويصبح هو الهدف، وتصاغ الحياة - بوسائلها وأهدافها - من أجل استمتاعه يقع الخلل، وأيضا عندما يطغى الفكر ويذوب الإنسان فيه على حساب (الإنسان) أو (الأشياء) فيترك العمل، ويصبح الفكر لمجرد الفكر، ويريد بعضهم أن يصوم فلا يفطر، ويقوم آخر فلا ينام، ويترهبن ثالث فلا يتزوج (١). هنا يطغى تألق (الفكرة وتهدد الحياة بالخلل، ويجب تقويم الميزان، وتحقيق العدل بين العناصر.

ومن الغريب أن أحد المفكرين المعروفين أنشأ كتابا أسماه (التفسير القرآني للتاريخ) (٢). ومع ذلك فإنه لم يتكلم في كتابه هذا إلا عن عنصر واحد هو (الأشياء) فتحدث - فقط - عن الجوانب المادية من أرض واقتصاد وثروة وعمل ورأسمال وتنظيم وتخطيط وسياسة زراعية وتجارة وادخار واستثمار وموضوعات فرعية تتصل بها، فإذا علمنا أن هذا المفكر هو الدكتور راشد البداوي، الذي ترجم (رأس المال) لكارل ماركس إلى العربية، فضلا عن كتب أخرى تدور كلها حول (الاقتصاد)، والمذاهب الاشتراكية، والقاموس الاقتصادي.

إذا علمنا هذا أدركنا - مع أنا قد نبرئ الرجل من الفكر الاشتراكي العلمي - كم يضيع (الإنسان) ويضيع (الفكر والمعتقد) وتطغى (الأشياء) في الفقه الحضاري حتى لدى مفكرين من أمثال هذا المفكر!!

إن الحديث عن الآيات القرآنية التي تحث على الزراعة أو التجارة أو الصناعة إنما هو حديث في التفصيلات والتطبيقات والثمار


(١) إشارة إلى الحديث الشريف المعروف
(٢) للدكتور راشد البداوي، نشر دار النهضة العربية القاهرة ط٢/ ١٩٧٦