للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (١) {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} (٢).

وكانت عاقبة فرعون وأتباعه الغرق لكفرهم وانغماسهم في المعاصي، ويعقب القرآن على هذه الأمم وما أصابها بعد أن تسردها علينا سورة هود في إيجاز وتعاقب تاريخي بليغين يعقب القرآن (بالعبرة) العامة التي انتهت بهذه الأمم وتجاربها إلى نهاية واحدة، هي السقوط في هاوية الهلاك الشامل والدمار الكامل، يقول القرآن: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} (٣) {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (٤) {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (٥).

إن السلوك الأخلاقي المنحرف هو طريق الانهيار الحضاري، وليس الضعف المادي أو (التقني)، فالأخلاق القائمة على أساس عقدي وفكري سليم - وليس الأخلاق النفعية (البرجماتذم) - هي الطريق الصحيح للحضارة، ولقد أشار العلامة ابن خلدون إلى هذا الأمر، وذكر أن رقي الأمم لا يتحقق بتوافر القوة المادية أو رقي العقل (العلمي أو العملي عن المرتبط بفكرة أخلاقية) بل بتوافر الأخلاق الحسنة (٦).

ويوضح الفيلسوف (غوستاف لوبون) قيمة المعيار الأخلاقي فيقول: إن الانقلاب يحدث في حياة الأمم بالأخلاق وحدها، وعلى الأخلاق يؤسس مستقبل الأمة وحياتها الحاضرة، وخط العقل والقلب في بقاء الأمة أو سقوطها قليل جدا، وعندما تذوى أخلاق الأمة تموت مع وجود العقل والقلب اللذين ربما يكونان متقدمين في نواح عملية كثيرة. . . فعلى


(١) سورة هود الآية ٩٤
(٢) سورة هود الآية ٩٥
(٣) سورة هود الآية ١٠٠
(٤) سورة هود الآية ١٠١
(٥) سورة هود الآية ١٠٢
(٦) المقدمة