للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هنا في المراد بخلق الإنسان من عجل ستة أقوال لجماعة من السلف والخلف ولم ينسب واحدا منها بينما نسب الماوردي أربعة منها فهو أكمل. ولم يناقش العز هذه الأقوال ولم يرجح بينها تبعا للماوردي.

فكان الأولى به أن يفعل ذلك؛ ليتضح الصواب ويزول اللبس فلا يقع القارئ لهذه الأقوال في حيرة. لذا نجد الطبري لما ساق هذه الأقوال ناقشها ورجح قول من قال: إن الإنسان خلق عجولا، أي: طبع على العجلة في أموره مستدلا على ذلك بقوله تعالى في آخر الآية: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} (١) وقوله في آية الإسراء (١١): {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} (٢) وكذلك فعل القرطبي في تفسيره راجع تعليقنا على هذه الآية من تفسير العز.

١ - قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} (٣) قال العز في تفسير هذه الآية: التنور تنور الخبز، أو أحر مكان في دارك أو طلوع الفجر، أو عبر به عن شدة الأمر كقولهم: حمي الوطيس. فالعز ذكر في المراد بالتنور أربعة أقوال بدون نسبة. وقد نسب الماوردي القول الأول إلى الكلبي، والثاني إلى أبي الحجاج، والثالث إلى علي رضي الله عنه. والرابع إلى ابن بحر. ولم يرجح العز بين هذه الأقوال تبعا للماوردي وكان الأولى به أن يبين القول الراجح ليتضح الصواب، والراجح من هذه الأقوال أن المراد بالتنور تنور الخبز؛ لأنه المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يحمل إلا على الأغلب والأشهر من معاني الكلام عند العرب، ولا يصرف إلى غيره إلا بدليل يدل عليه، وبه قال أكثر المفسرين راجع: تعليقنا على هذه الآية من تفسير العز.


(١) سورة الأنبياء الآية ٣٧
(٢) سورة الإسراء الآية ١١
(٣) سورة المؤمنون الآية ٢٧