للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما ذلك إلى الله وحده {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (١) {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (٢)

اتباع الهوى والتماس المعاذير

إن الوقوف عند حدود الشريعة جهاد لهوى النفس لا يصبر عليه إلا أهل الإيمان، وللنفس أهواؤها المختلفة، ونزعاتها المتباينة، وشريعة الإسلام تكبح جماح الأهواء والنزعات، ليستقيم سلوك المسلم على ما فيه خيره وخير الإنسانية، وأهواء الحكم أشد تسلطا على النفس وبعدا عن الحق، ومهما التمس الناس المعاذير لتبرير الخروج عن شريعة الله وتحكيم القوانين الوضعية، فإن باعث ذلك هو الهوى، والهوى وحده، وقد جرت سنة الله على اختلاف الناس في اتجاهاتهم ومذاهب حياتهم وسلطان الحق هو الذي يجمعهم على كلمة سواء، وليس سلطان الهوى وترضية النفوس، ولذا حذر الله تعالى رسوله من ذلك حتى لا يفتن عن شيء من حكم الله {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٣) ثم قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (٤) {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (٥)

كراهية الحق والرغبة في الظلم

عندما تمرض النفس وتقع أسيرة الهوى والشهوة، تعمى بصيرتها، فلا تنظر إلا بمنظار هواها، وهوى النفس لا يأتي عن طريق الحق والحكم بما أنزل الله، لأن الهوى غي وظلم، وقد فند القرآن الكريم أسباب كبرياء حكم الجاهلية، وإعراض ذويه عن حكم الله وحكم رسوله، وأبطل شبهها، وأرجع ذلك إلى كراهيتهم للحق، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} (٦) {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (٧) {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (٨)

وذكر سبحانه وتعالى في موضع آخر طبيعة النفاق، واحتمالات سبب إعراض المنافقين عن حكم رسول الله إذا كان الحق عليهم، وأشارت الآيات إلى أن السبب الحقيقي هو رغبتهم في الظلم وهم يعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقضي إلا بالحق {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (٩) {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} (١٠) {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} (١١) {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (١٢)


(١) سورة الأنعام الآية ١١٦
(٢) سورة الأنعام الآية ١١٧
(٣) سورة المائدة الآية ٤٨
(٤) سورة المائدة الآية ٤٩
(٥) سورة المائدة الآية ٥٠
(٦) سورة المؤمنون الآية ٦٨
(٧) سورة المؤمنون الآية ٦٩
(٨) سورة المؤمنون الآية ٧٠
(٩) سورة النور الآية ٤٧
(١٠) سورة النور الآية ٤٨
(١١) سورة النور الآية ٤٩
(١٢) سورة النور الآية ٥٠