للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن غالب هذه الاحتفالات - مع كونها بدعة - لا تخلو في أغلب الأحيان وفي بعض الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر؛ وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه، واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين (١)»، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (٢)». أخرجه البخاري في صحيحه، ومما يدعو إلى العجب الاستغراب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسا، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي. نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.

وأغرب من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلا عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (٣) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (٤)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أول


(١) سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢١٥).
(٢) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٧).
(٣) سورة المؤمنون الآية ١٥
(٤) سورة المؤمنون الآية ١٦