للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمرا ونهيا، وقد أجمعت عليه الأمة وعلم من الدين بالضرورة فلا يحتاج إلى الإبانة عنه ولا إلى إقامة الدليل عليه.

لكن الله تعالى كرم بني آدم فسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا فضلا منه ورحمة، وجعل لهم العينين واللسان والشفتين وسائر ما يحتاجون إليه من الأعضاء لتحقيق مصالحهم ودفع الآفات والغوائل عن أنفسهم حكمة منه وعدلا، وشرع لهم الشرائع نورا وهدى؛ ليتبين لهم الحق من الباطل ويتميز الطيب من الخبيث إعذارا إليهم؛ لئلا يكون لأحد منهم حجة بعد البيان والبلاغ، فوجب عليهم أن يهتدوا بهداه ويتبعوا صراطه المستقيم، وأن يستغلوا ما آتاهم الله من الأعضاء وما سخر لهم من الكونيات فيما أحله لهم دون ما حرم عليهم؛ أدبا مع الله وشكرا لنعمه؛ ليحفظها لهم ويزيدهم من فضله، وتقييدا لها خشية أن تزول عنهم بعصيانهم من وهبها لهم، وقد أوجب الله عليهم المحافظة على أنفسهم وأعضائهم، وحرم عليهم الاعتداء عليها والإضرار بها. قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (١)، وأوجب القصاص في النفس والأعضاء أو الدية حسب اختلاف أحوال الاعتداء، وحرم الانتحار، «وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا (٢)». الحديث. وقال: «كسر عظم الميت ككسره حيا (٣)». إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم ذكرها في موضوع التشريح وموضوع نقل القرنية وما في معناها من الأدلة الدالة على وجوب المحافظة على حرمة المسلم ومن في حكمه حيا وميتا.

وإذا ثبت أن جميع بني آدم ملك لله حقيقة، وأنه تعالى أوجب عليهم المحافظة على أنفسهم وأعضائهم وحرم عليهم الإضرار بها اعتبر هذا


(١) سورة البقرة الآية ١٩٥
(٢) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨)، سنن أبو داود كتاب المناسك (١٩٠٥)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٤)، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠).
(٣) سنن أبو داود الجنائز (٣٢٠٧)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦١٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٠٥).