للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم. قال: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه (١)». خرجه مسلم أيضا.

الثامنة: الإيثار، هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية. وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. يقال: آثرته بكذا، أي: خصصته به وفضلته. ومفعول الإيثار محذوف، أي: يؤثرونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم، لا عن غنى بل مع احتياجهم إليها، حسب ما تقدم بيانه. وفي موطأ مالك: أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه. فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت - أو إنسان - ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها، فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك. قال علماؤنا: هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عند الله تعالى يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك مما يدخر عنده. ومن ترك شيئا لله لم يجد فقده. وعائشة رضي الله عنها في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة، وأن من فعل ذلك فقد وقي شرح نفسه وأفلح فلاحا لا خسارة بعده. ومعنى (شاة وكفنها) فإن العرب - أو بعض العرب أو بعض وجوههم - كان هذا من طعامهم يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا


(١) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (٢٦٣٠)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٧١).