للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يحق له إجبار زوجته على إرضاع طفله وأنها غير ملزمة برضاعه إلا إذا تعين عليها.

فهل إذا تعين عليها وهي بعصمة زوجها لها أن تأخذ الأجرة؟ وهل لها أن تأخذها ولو لم يتعين عليها؟ للجواب على هذا أقول: للعلماء في ذلك قولان:

القول الأول: ذهب الحنفية إلى أن المرأة التي بعصمة زوجها ولم تكن معتدة بطلاق بائن لا يجوز للزوج استئجارها لترضع ولدها، ولو استأجرها فلا تستحق لذلك أجرة. لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة لقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (١) وهو أمر بصيغة الخبر وهو آكد، واستئجار الشخص لأمر مستحق عليه لا يجوز، ولهذا لا يجوز أن تأخذ الأجرة على خدمة البيت من الكنس وغيره وإنما لا تجبر على الرضاعة لاحتمال عجزها فعذرت فإذا أقدمت عليه ظهر قدرتها فلا تعذر.

وبهذا قال المالكية لأن عرف المسلمين على توالي الأعصار في سائر الأمصار جار على أن الأمهات يرضعن أولادهن من غير طلب أجرة على ذلك (٢) وهذا القول قال به الشافعية لاستحقاق الزوج الاستمتاع بها ولا يجوز أن يعقد عليها عقدا آخر يمنعه استيفاء حقه.

وإلى هذا القول ذهب بعض الحنابلة لاستحقاق الزوج منافعها للخدمة (٣) فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له (٤).

والقول الثاني: أن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به سواء أكانت في حبال الزوجية أو بعدها وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أم لم يجد، لأن الإرضاع عقد إجارة فكما يجوز من غير الزوج إذا أذن


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٣
(٢) انظر حاشية العدوى ج٢ ص١١٧ مطبعة الحلبي.
(٣) انظر الإنصاف ج٩ ص٤٠٦ وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج٣٤ ص٦٥ تصوير الطبعة الأولى.
(٤) انظر المغني لابن قدامة ج٧ ص٦٢٨ الناشر مكتبة الرياض الحديثة.