للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيما بعث الله سبحانه هذا النبي الكريم بهذا الكتاب المبين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينقذهم مما تورطوا فيه من جهل وضلال، حتى كانوا كما يقول سبحانه: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (١) وفي الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا رحمة مهداة (٢)» وعنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (٣)» فكل ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الدين الذي أخرج الله سبحانه به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، فإنما هو رحمة من الله سبحانه مصداقا لقوله جل شأنه: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} (٤) وبناء على ذلك فمن زاغ عن قصده أو زل عن منهجه فإنما يخرج نفسه من حظيرة الرحمة، كما تورط في ذلك الحمقى والجاهلون من المغرورين والمتخبطين الذين آثروا غضب الله وسخطه، ولم يكونوا من الذين كتب الله لهم رحمته وهم الذين وصفهم بقوله: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (٥) {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٦)

فهو سبحانه كتب رحمته لأولئك الذين يتبعون نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- وكانت رحمة الله الأولى به -صلى الله عليه وسلم- أنه يأمر بالخير وينهى عن الشر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عن العباد الإصر والأغلال، فليس في أحكامه


(١) سورة آل عمران الآية ١٠٣
(٢) رواه ابن سعد في طبقاته والحكيم في نوادره عن أبي صالح مرسلا، والحاكم عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال: على شرطهما. الجامع الصغير للسيوطي.
(٣) وفي رواية صالح الأخلاق. رواه ابن سعد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - الجامع الصغير.
(٤) سورة القصص الآية ٨٦
(٥) سورة الأعراف الآية ١٥٦
(٦) سورة الأعراف الآية ١٥٧