للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمر لا طاقة به للعباد ولا ما يعجزون عنه، وصدق سبحانه وله المنة فيما يقول: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١) ولقد كان من رحمته جل شأنه أنه تدرج في تشريع التحريم، كما عرف من شأنه في تحريم الخمر، فلم يبدأ بالتكليف في أمرها بل أجاب السائلين عنها أول ما شرع فقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (٢) حتى انتهى التشريع إلى البت في أمرهما استجابة لطلب عمر وغيره إذ يقول: أفتنا في الخمر؛ فإنها مفسدة للعقل مضيعة للمال، فلما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} (٣) إلى قوله جل شأنه: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٤) دعي عمر بن الخطاب فتليت عليه، فقال: انتهينا انتهينا يا رب. وكان من تمام الرحمة في ذلك أن حال الله سبحانه بينهم وبين مفاسدهم؛ لأنها رجس من عمل الشيطان، في شربها تحصيل غرضه وفي تركها فلاح للعباد، فلماذا يهجر الناس هذا الكتاب، ولماذا لا يتلقون تعاليمه بكل رضا واطمئنان، فلا يقربوا شيئا مما حرم عليهم، وهو أرحم الراحمين بهم.

ومن تتبع وصايا القرآن العظيمة وأوامره الحكيمة في مثل الآيات التي في أواخر سورة الأنعام ١٥١ - ١٥٥ والتي تنهى عن الشرك الذي هو فتك وكفر، وتأمر بالإحسان إلى الوالدين، وتنهى عن قتل الأولاد بسبب الفقر وتؤمن على الرزق، وتنهى عن الفواحش والقتل وقربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وتأمر بإيفاء الكيل والميزان في حدود الطاقة {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٥)

ما أبرك وأرحمك ولكن الناس عن هذا منك غافلون فهم في طغيانهم يعمهون، وفي مثل الآية:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (٦) أليس ذلك ما يوقظ النفوس الراقدة ويرد القلوب الجامحة؟


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٠
(٢) سورة البقرة الآية ٢١٩
(٣) سورة المائدة الآية ٩٠
(٤) سورة المائدة الآية ٩١
(٥) سورة الأعراف الآية ٤٢
(٦) سورة النحل الآية ٩٠