للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها المشروبات المسكرة من العنب والتمر ومن غير العنب والتمر ووجهة نظر الفقهاء في ذلك وبيان مستنداتهم.

ولهذا فإننا نجتزئ بالإشارة العابرة إليها، وتغليظ الشارع أمرها بما جاء في النص القرآني الكريم من أنها رجس نجسة قذرة لا تأتي بخير، وأنها من عمل الشيطان؛ لأنه يتولى شاربها، ويقتاده إلى حيث يريد من إيقاع العداوة بين الأحبة، وصد الشارب عن ذكر الله وعن الصلاة التي هي أعظم القربات إلى الله بعد التوحيد؛ لأن الخمر لهو ولعب كلعب الصبيان، وشهوات ولذات حينا من الزمان، وليست المخدرات بأقل منها فسادا وصدا عن الحق ونسيانا لكل واجب فلا عقل ولا تقدير، والآية الكريمة صريحة في تلك المعاني مبينة لها أعظم بيان وأدقه، وهي قوله تعالى ذلك القول الفصل بعد ما تدرج في التشريع حتى عرف المسلمون أذى الخمر، وأنها لا تأتي بخير وأنها مفسدة للعقل مضيعة للمال، فجاء هذا التشريع وهم إليه يتطلعون ويتمنون أن يكون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١) {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٢)

وجاء في الخبر أنه لما نزلت الآية الكريمة دعي عمر بن الخطاب، وكان يلح في طلب الفصل في الخمر، فلما تليت عليه قال: انتهينا انتهينا. فما أعظم التشريع وما أوضحه حين يرد وقد اتجه إليه العقل السليم والطبع الكريم، ولهذا أريقت الآنية حين سمع بالآية من كانوا يديرون كاساتها بينهم، فبرهنوا بالمسارعة إلى حكم الله على قوة إيمانهم وكمال وفائهم بما عاهدوا الله عليه من السمع والطاعة؛ لأن الله وليهم، وهو سبحانه أعلم بهم، ولعل في الآية الكريمة لمن تأمل في أسرارها ما هو كفيل أن يردع كل عنيد، فهذا الأمر الجازم الصارم وكونه من مادة الاجتناب دون الترك ونحوه، وهذا الإيراد بين حكم


(١) سورة المائدة الآية ٩٠
(٢) سورة المائدة الآية ٩١