للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد وما لم يطلعوا عليه في عهدهم، مثل الكوكايين والهروين وغيرها مما ذكره القانون المصري مفصلا، وجعل عقوبتها مشتركة لا فارق بين واحد وآخر بعد ظهور الخصائص والمميزات المشتركة، وقد ذكر بعض الفقهاء السابقين المعاصرين الدخان من بينها، وحكم عليه بحكمها وخالف بعضهم في ذلك، كما سنبينه إن شاء الله.

وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في كتاب (١) الزواجر تلك المخدرات التي أوردناها وقال: إنها مسكرة، كما صرح بها النووي في بعضها (٢): وفسر الإسكار بتغطية العقل لا مع الشدة المطربة؛ لأنها من خصوصيات المسكر المائع على أن ذلك خال من التحقيق، وإلا لما خصت به الحشيشة من بين المخدرات، ثم قال: إن ذلك لا ينافي أنها تسمى مخدرة. وهو يرى أنها من المسكر الطاهر، كما أورده في عنوانها في الكبيرة السبعين بعد المائة، وسترى أن كون الحشيشة طاهرة موضع خلاف بين الفقهاء، كما أن خلوها من الشدة المطربة مما يخالف فيه أيضا بعض الفقهاء، ولا شيء من هذا يمانع من أنها كلها تؤثر على العقل - الذي أمر الشارع بحفظه - أسوأ تأثير، وأن القليل منها مما يدعو إلى الكثير، فإذا اختلفت وجهة النظر عند بعضهم فأجاز القليل منها فإنه مذهب ضعيف يشبه القول بإباحة القليل من بعض الأشربة المسكرة، مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام (٣)»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (٤)»، وكان هذا منه صلى الله تعالى عليه وسلم سدا لباب الفساد وإغلاقا لمقدمة الشر، وقد تجلت حكمته -صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فما شرب أحد من أي شراب محظور إلا وجد فيه الرغبة التي تغري بالمتابعة، ولا أخذ من الحشيشة قطعة إلا تركت فيه أثرا منها يدعوه إلى معاودتها إلا من عصم ربك، ولكن الأحكام الشرعية تناط بالغالب من أحوال الناس، ولهذا


(١) ١٧٩/ ٢.
(٢) يريد الحشيشة.
(٣) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٥)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨١)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٤٣).
(٤) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٦)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٧).