للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإننا نرى تحريم القليل والكثير، ومما أورده صاحب (عون المعبود شرح سنن أبي داود) في هذا المقام نقلا عن العلامة أبي بكر بن قطب القسطلاني في كتابه (تكريم المعيشة) (١): أن الحشيشة ملحقة بجوزة الطيب والأفيون والبنج، وهذه من المسكرات المخدرات. وهو تصريح يمثل ما أورده ابن حجر الهيثمي في هذا المقام كما رأيته.

وكان إلحاق القسطلاني إياها بجوزة الطيب ونحوها ناشئ عن أنه سبق له حكم هذه الأشياء قبل حكم الحشيشة أو نحو ذلك. ثم نقل شارح السنن عن الزركشي أنه قال: (إن هذه المخدرات تؤثر في متعاطيها المعنى الذي يدخله في حد السكران، وذكر عدة تعريفات مما أورده الفقهاء للسكران في كتب الفقه منها: أنه الذي اختل كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم، ومنها: أنه الذي لا يعرف الأرض من السماء.

وهذا المعنى ينقله الحنفية عن الإمام أبي حنيفة في بعض كتبهم، ثم انتقل إلى بيان وجه اعتبارها مسكرة أو غير مسكرة، فإن أريد بالإسكار تغطية العقل فهي مسكرة، وإن أريد تغطية العقل مع الطرب فهي غير مسكرة، وسترى أن بعض فقهاء الحنابلة ذهب إلى أن في بعضها وهو الحشيش النشوة والطرب كالخمر، ولهذا أعطى الحشيش أحكام الخمر الثلاثة (٢) دون بقية المخدرات فإن فيها الحرمة والتعزير فقط، وقد أطال صاحب عون المعبود النقل عن الزركشي في هذا المقام بما ليس من جوهره عندنا، فليراجعه من شاء.

ثم نقل عن القاموس ما يفسر الفتور الوارد في حديث أبي داود، «أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر (٣)» فقال: فتر جسمه فتورا: لانت مفاصله وضعف، والفتار كغراب: ابتداء النشوة. ونقل عن المصباح في التخدير خدر العضو خدرا من باب تعب: استرخى فلا يطيق الحركة.

ومن هذه النقول وأشباهها يتضح لك أن كون هذه المخدرات تعتبر


(١) عون المعبود ٣٢١/ ٣.
(٢) وهي الحد والنجاسة وتحريم القليل.
(٣) سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٠٩).