للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسكرة موضع بحث الفقهاء، ومع ذلك سترى في النقول الآتية إجماعهم على حرمة الكثير المفسد للعقل، وإن أجاز بعضهم القليل منها للتداوي فقط من وجهة نظره التي سنزيدها بيانا مع البحث والتحقيق الفقهي، ومن تتمة النظر في هذا أن نضيف أن بعض الفقهاء لم يكتف في بعض هذه المخدرات باعتباره مسكرا بل سماه خمرا منهم شيخ الإسلام الفقيه المحقق الإمام أحمد ابن تيمية، وكانت فيه غيرة دينية عجيبة وسعة أفق كما سترى في رأيه الفقهي مع أراء الفقهاء من مختلف المذاهب، وكذلك الحافظ الذهبي كما جاء في كتاب (الزواجر):

والواقع أن دراسة العلاقات بين هذه العناصر المخدرة وبين الخمر دراسة لها شأنها في صميم موضوعنا؛ لأنها هي التي بنى الفقهاء حكمهم في الجملة عليها، ولقد استبان ذلك في الرابط المحقق بينها، وهو حصول المفسدة في تناولها وهي في محيط المفسدة في شرب الخمر، فكيف لا تقرن بها في مناسبة الأحكام الشرعية؟ ولقد وضح ذلك المعنى في التصويرات النبوية لمن يعقل مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر خمر (١)» وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (٢)»، ونحو ذلك، كما أنه وضح في آثار هذه المخدرات التي جعلت الناس تتساءل وترجع إلى رجال الفقه من علماء الإسلام؛ لتعرف حكم الشرع في تعاطيها على وجهه، فإذا كان القرآن الكريم قد اتجه بحكمه الواضح الصريح في الخمر التي شربت في الجاهلية، ثم استمر شربها حتى حكم الإسلام بحرمتها فذلك لأنها هي التي كانت، فورد الحكم بشأنها، وإذا كانت السنة قد شنعت كل التشنيع على الخمر وبائعها وعاصرها، فإنها لم تترك البيان في المسكرات الأخرى ولا في المفتر كما أشرنا، وكما نبين إن شاء الله، وكان من حكمة الإسلام أن لا يذكرها بأسمائها.

كما كان الشأن في غيرها مما أحدث الناس من الفجور حتى لا يخاطب الناس بما لا يعرفون، ولكن الإسلام نهى عن الضرر والضرار، ونهى عن الخبائث


(١) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).
(٢) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٦)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٧).