للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث أن يبتكر ويبدع، وأن يأتي بعجائب الحياة، ويستحوذ على طاقات هائلة في الكون، وحسن استخدام هذه الطاقات هو الذي يحقق للبشرية الرخاء والأمن، وسبيل ذلك هو الوقوف في استخدامها عند شرع الله بالحكمة والعدل وحماية الحق والذود عن حياضه، ورفع لوائه، وهذا يعني أن تكون تلك القوى بيد مؤمنة أمينة مهتدية، وإلا كانت وسائل هدم وخراب ودمار وفساد.

هذه حقيقة يدركها الناس اليوم، وهم يشاهدون التقدم العلمي الباهر في الاستفادة من طاقات الأرض والماء والهواء، وقد تحول إلى صراع دولي مدمر، يوشك أن يأتي على بنيان الحضارة الإنسانية من القواعد، ويحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق، ولو اشتعلت حرب ذرية نووية لأصبح الهواء سموما قاتلة والعمران براكين ثائرة، والجو نارا متقدة.

فإذا أضفنا إلى ذلك كله ما تحمله المذاهب والقوانين البشرية من تدمير للأخلاق، وانهيار للمجتمع أدركنا كيف يكون فساد السماوات والأرض على يد الإنسان المتمرد على شريعة الله الذي يجعل الحق تبعا لهواه، وهذا هو ما ذكره الله تعالى في قوله {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (١) {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (٢)

إن الحق هو ناموس الله للوجود كله، وهو ثابت لا يتغير ولا تتخلف سنته، وأهواء الناس متعارضة متضاربة، ولو ساير الحق أهواءهم لفسدت أوضاع الحياة كلها، تفسد حياة المكلفين بفساد أهوائهم وأعمالهم، وتفسد سائر الكائنات لأنهم قائمون عليها بالتدبير تسخيرا من الله، فالكون كله لا يكون متناسق الأجزاء حتى يكون خاضعا لله شرعا وتسخيرا.

والأمة التي أشرقت فيها رسالة الإسلام هي أولى الأمم لاتباع هذه الرسالة لما في ذلك من مجد لها وشرف، وقد ظلت الأمة العربية لا ذكر لها في التاريخ حتى جاء الإسلام فارتفع شأنها، وذاع صيتها، وظل هذا الذكر يدوي في آذان الدنيا ما استمسكت به، وتضاءل بقدر تخليها عنه، ولن يعود لها ذكر مرة أخرى إلا به. فهل من مجيب؟


(١) سورة المؤمنون الآية ٧٠
(٢) سورة المؤمنون الآية ٧١