للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأمة التي تحيد عن شريعة الله بعد أن أكرمها الله تعالى بها تستحق عقاب الله، وإذا كان الله قد أكرم هذه الأمة فلم يعاقبها عقوبة إبادة كما عاقب الأمم المكذبة السابقة، فإنه يعاقبها بكوارث الحياة، ونوازل الدهر، فيتخلى عن نصره لها، وتتوالى عليها أحداث الزمن، ويذيقها عدوها بأسه، فتطحنها نكبات الهزيمة، وتسام الذل والهوان، وينوء كاهلها بمصائب الخوف والفقر، ويومئذ لا تنفعها المعذرة حتى تفيء إلى شرع الله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (١) {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (٢) {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (٣) ويقول تعالى في تهديد من تسول لهم نفوسهم الخروج على شريعة الله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (٤)

ويذكر الله تعالى أنه حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمته في حياته، أو كانت شريعته فيها بعد مماته، فإن الخروج عن طاعته وطاعة شريعته يورث الضعف والمشقة والهلاك، ولكن حب الإيمان وجمال معانيه في القلب وكراهة المخالفة - لكن هذا العاصم من الخروج عن الطاعة الذي فيه الكفر والفسوق والعصيان {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (٥) {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (٦)

ولقد استبدلت كثير من دول الإسلام بشريعة الله قوانين البشر ومذاهبهم ورفعت شعارات براقة، وأوهمت شعوبها بأن هذا هو سبيل رخائها وعزها فماذا كانت النهاية؟ كانت عار الهزيمة، وذل الخيانة، ومأساة التضليل، وانهيار الاقتصاد، وفساد المجتمع، وضياع الفضيلة، وإهدار القيم، ووأد الحريات، وتلك هي سنة الله في أمة أنزل الله في كتابها قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٧) وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٨)

جـ - وللحكم بغير ما أنزل الله آثاره السيئة في فساد الحياة كلها:

لقد استخلف الله الإنسان على الأرض ليعمرها بهداية السماء، وسخر له ما في السماوات والأرض جميعا منه، ووفقه إلى الاستفادة من طاقات الكائنات وما أودعه الله فيها من قوى، واستطاع الإنسان في العصر


(١) سورة النساء الآية ٦١
(٢) سورة النساء الآية ٦٢
(٣) سورة النحل الآية ١١٢
(٤) سورة المائدة الآية ٤٩
(٥) سورة الحجرات الآية ٧
(٦) سورة الحجرات الآية ٨
(٧) سورة الأنفال الآية ٥٣
(٨) سورة الرعد الآية ١١