للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سائر العلماء فقالوا بتلك الأحاديث الصحيحة. وهذا هو الثابت عن الصحابة وعليه دل القياس الجلي؛ فإن الله تعالى قال:

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (١) فإن المفسدة التي لأجلها حرم الله سبحانه وتعالى الخمر، هي أنها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء. وهذا أمر تشترك فيه جميع المسكرات، لا فرق في ذلك بين مسكر ومسكر، والله سبحانه وتعالى حرم القليل؛ لأنه يدعو إلى الكثير، وهذا موجود في جميع المسكرات. إلى أن قال:

وأما الحشيشة الملعونة المسكرة: فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء، بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكرا: كالبنج، فإن المسكر يجب فيه الحد، وغير المسكر يجب فيه التعزير.

وأما قليل الحشيشة المسكرة فحرام عند جماهير العلماء، كسائر القليل من المسكرات، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام (٢)» يتناول ما يسكر، ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولا، أو مشروبا، أو جامدا أو مائعا فلو اصطبغ الخمر كان حراما، ولو أماع الحشيشة وشربها كان حراما، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- بعث بجوامع الكلم، فإذا قال كلمة جامعة كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها، سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن. . إلى أن قال:

وهذه الحشيشة فإن أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة، حيث ظهرت دولة التتر، وكان ظهورها مع ظهور سيف جنكيزخان لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلط الله عليهم العدو، وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم


(١) سورة المائدة الآية ٩١
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).