للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسكرات، وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر؛ فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولا تورث التخنيث والديوثة وتفسد المزاج، فتجعل الكبير " كالإسفنجة " وتوجب كثرة الأكل، وتورث الجنون وكثير من الناس صار مجنونا بسبب أكلها.

ومن الناس من يقول: إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب فيها الحد كما يجب في الخمر.

وتنازعوا في نجاستها على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره. فقيل: هي نجسة. وقيل: ليست بنجسة. وقيل: رطبها نجس كالخمر ويابسها ليس بنجس. والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع. كما تتناول النجاسة جامد الخمر ومائعها. فمن سكر من شرب مسكر أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو، ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول، ولا بد أن يغسل فمه ويديه، وثيابه في هذا وهذا، والصلاة فرض عليه لكن لا تقبل منه حتى يتوب أربعين يوما كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار. أو: عرق أهل النار (١)».

وأما قول القائل: إن هذه ما فيها آية ولا حديث: فهذا من جهله؛ فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة. وقضايا كلية تتناول كل ما دخل فيها، وكل ما دخل فيها فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام، وإلا فلا يمكن ذكر كل شيء باسمه الخاص، فإن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الخلق وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (٢)،


(١) سنن الترمذي الأشربة (١٨٦٢)، سنن النسائي الأشربة (٥٦٧٠)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٧٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٨٩)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩١).
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨