العقل حرام بإجماع المسلمين. وأما تعاطي " البنج " الذي لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير، وأما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة وإنما يتناولها الفجار؛ لما فيها من النشوة والطرب، فهي تجامع الشراب والمسكر في ذلك، والخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور والذلة، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوة، وما توجده في الدياثة، مما هي من شر الشراب المسكر، وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار " إلى أن قال (١): نعم يجب على آكلها حد شارب الخمر، هؤلاء القوم ضلال جهال عصاة لله ولرسوله، وكفى برجل جهلا أن يعرف بأن هذا الفعل محرم، وأنه معصية لله ولرسوله، ثم يقول: أنه تطيب له العبادة، وتصلح له حاله، ويح هذا القائل، أيظن أن الله سبحانه وتعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حرم على الخلق ما ينفعهم، ويصلح لهم حالهم؟ نعم قد يكون في الشيء منفعة وفيه مضرة أكثر من منفعته فيحرمه الله سبحانه وتعالى؛ لأن المضرة إذا كانت أكثر من المنفعة بقيت الزيادة مضرة محضة.
وصار هذا الرجل كأنه قال لرجل: خذ مني هذا الدرهم وأعطني دينارا، فجهله يقول له: هو يعطيك درهما فخذه، والعقل يقول: إنما يحصل الدرهم بفوات الدينار، وهذا ضرر لا منفعة له بل جميع ما حرمه الله ورسوله إن ثبت فيه منفعة ما فلا بد أن يكون ضرره أكثر.
فهذه " الحشيشة الملعونة " هي وآكلها ومستحلوها الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة الله، إذا كانت كما يقوله الضالون من أنها تجمع الهمة، وتدعو إلى العبادة، فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه أضعاف ما فيها من خير، ولا خير فيها، ولكن هي تحلل الرطوبات، فتتصاعد الأبخرة إلى الدماغ، وتورث خيالات فاسدة، فيهون على المرء ما يفعله من عبادة،
(١) في حكم أكل الغبيراء للإعانة على العبادة، والغبيراء شراب مسكر يؤخذ من الذرة.