ويشغله بتلك التخيلات عن إضرار الناس، وهذه رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين؛ ليطيعوه فيها، بمنزلة الفضة القليلة في الدرهم المغشوش، وكل منفعة تحصل بهذا السبب فإنها تنقلب مضرة في المال، ولا يبارك لصاحبها فيها، وإنما هذا نظير السكران بالخمر، فإنها تطيش عقله حتى يسخوا بماله، وبتشجيع على أقرانه، فيعتقد الغر أنها أورثته السخاء والشجاعة وهو جاهل، وإنما أورثته عدم العقل، ومن لا عقل له لا يعرف قدر النفس والمال، فيجود بجهله، لا عن عقل فيه.
وكذلك هذه الحشيشة المسكرة إذا أضعفت العقل، وفتحت باب الخيال، تبقى العادة فيها مثل العبادات في الدين الباطل ودين النصارى، فإن الراهب تجده يجتهد في أنواع العبادة لا يفعلها المسلم الحنيف، فإن دينه باطل، والباطل خفيف، ولهذا تجود النفوس في السماع المحرم والعشرة المحرمة بالأموال وحسن الخلق مما لا تجود به في الحق، وما هذا بالذي يبيح تلك المحارم، أو يدعو المؤمن إلى فعله؛ لأن ذلك إنما كان لأن الطبع لما أخذ نصيبه من الحظ المحرم، ولم يبال بما بذله عوضا عن ذلك، وليس في هذا منفعة في دين المرء ولا دنياه، وإنما ذلك لذة ساعة، بمنزلة لذة الزاني حال الفعل، ولذة شفاء الغضب حال القتل، ولذة الخمر حال النشوة، ثم إذا صحا من ذلك وجد عمله باطلا وذنوبه محيطة به، وقد نقص عليه عقله ودينه وخلقه.
وأين هؤلاء الضلال مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة، وزوال الحمية حتى يصير آكلها إما ديوثا وإما مأبونا، وإما كلاهما، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلقا كثيرا مجانين وتجعل الكبد بمنزلة الإسفنج، ومن لم يجن منهم فقد أعطته نقص العقل، ولو صحا منها فإنه لا بد أن يكون في عقله خبل، ثم إن كثيرها يسكر حتى يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي وإن كانت لا توجب قوة نفس صاحبها حتى يضارب ويشاتم، فكفى بالرجل شرا أنها تصده عن ذكر الله وعن الصلاة إذا سكر منها، وقليلها وإن لم