للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسكر فهو بمنزلة قليل الخمر، ثم إنها تورث من مهانة آكلها، ودناءة نفسه، وانفتاح شهوته ما لا يورثه الخمر، ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر، وإن كانت في الخمر مفسدة ليست فيها وهي الحدة، فهي بالتحريم أولى من الخمر، ولأن ضرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر، وضرر شارب الخمر على الناس أشد إلا أنه في هذه الأزمان لكثرة أكل الحشيشة صار الضرر الذي منها على الناس أعظم من الخمر، وإنما حرم الله المحارم؛ لأنها تضر أصحابها، وإلا فلو ضرت الناس ولم تضره لم يحرمها، إذ الحاسد يضره حال المحسود، ولم يحرم الله اكتساب المعالي لدفع تضرر الحاسد، هذا وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام (١)»، وهذه مسكرة، ولو لم يشملها لفظ بعينها لكان فيها مفاسد الخمر توجب تحريمها. اهـ.

هذا وإن مسلك شيخ الإسلام هنا لمسلك فقهي إسلامي عظيم يعطي صورة من الصور التي تؤكد أنه رجل الإسلام والشريعة، وأنه غاص في أسرارها ووصل إلى أغوراها، ولقد رد ردا مسهبا يرجع إلى ما أوردنا من رعاية الإسلام في تشريعه للمصالح ودرء المفاسد، ولقد أفاض في بيان مفاسدها الفظيعة التي لا تدع مجالا لغير تحريمها، وإنها كانت كما تقدم تتنافي مع الضروريات الخمس التي ترعاها جميع الديانات، وقد لجأ إلى الاستدلال بالمصلحة ودرء المفسدة على تحريم المخدرات، بعد أن استدل على تحريمها بعموم نصوص الكتاب والسنة والاعتبار؛ لأن سائله يتذرع بخرافات يحتمي بها، فيقول: إن نشوتها تأمر المتعاطين بالعبادة، ولا تأمرهم بسوء ولا فاحشة فبين أن ذلك وهم، وأن مضارها لا تعادلها أي مصلحة تتوهم فيها، ولقد أحسن في بيان أنه ينطبق عليها قياس الأولوية على فرض أنه لا يشملها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام (٢)» بعد أن بين في فتاواه المختلفة أن النص يشملها؛ لأنها مسكرة وقياس الأولوية يعتد به الأصوليون، ويمثلون له بقياس الضرب على التأفيف في التحريم، واعتبار كل منهما عقوقا بالنسبة إلى


(١) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).
(٢) صحيح مسلم الأشربة (٢٠٠٣)، سنن الترمذي الأشربة (١٨٦١)، سنن أبو داود الأشربة (٣٦٧٩)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٩٨).