شراب أسكر كثيره فقليله حرام بخبر الصحيحين، ثم قال:
وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات، فلا حد فيها، وإن حرمت وأسكرت بل التعزير بكثير البنج والحشيشة والأفيون وكره أكل كثير منها من غير قصد المداومة ويباح لحاجة التداوي، فعلق السيد البكري على ذلك بقوله: إن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وأورد ما قاله ابن حجر الهيثمي في الزواجر - وسنشير إليه - وقد علق على قوله: وكره أكل يسير منها، فقال: إن المراد باليسير ألا يؤثر في العقل ولو تخديرا أو فتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي القليل مع الكراهة، ولكنه يجب كتمه عن العوام؛ لئلا يتعاطوا الكثير ويعتقدوا أنه قليل، وقوله: من غير قصد المداومة، مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصد المداومة حرم) اهـ.
ثم نقل عن الروضة وشرحها (فرع: مزيل للعقل من غير الأشربة كالبنج والحشيشة حرام؛ لإزالته العقل، ولا حد فيه؛ لأنه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، ولو تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متآكل) اهـ.
ثم إن هذا الذي نقله عن الروضة يخالف ما في فتح المعين الذي شرحه صاحب إغاثة الطالبين، ويعلق عليه بعد خلاف له أكثر من ذكر ما يخالفه بالنص على حرمة هذه المخدرات بإطلاق، فكأنه يقول إن ما ذكرناه مخالف لما في الروضة وشرحه حيث أطلق التحريم ونحن قيدناه بالكثير مع كراهة القليل من غير قصد المداومة، فإذا قصد المداومة حرم، ثم إن هذا خاص بمن يؤمن اضطرابه بتجاوز الحد وعدم ضبط النفس بالحاجة وعدم الإدمان. ومع كل هذه القيود يضيق الفارق جدا فلا يظهر أثره، والحق في هذا مسلك ابن تيمية ومن نهج نهجه سدا للذارئع وإغلاقا لباب الفساد.