للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإدامة نزول الودي عقب البول (١).

وقال: إن مستنده في الأخير إخبار المستعملين له فقال له الشيخ ابن حجر: لا يكفي ذلك ما لم يستند إلى التجربة ولا بد للتجربة من زمان ومكان ومزاج معتدل وعدالة المخبر. ثم انتهى إلى أنه لا علم لنا إلا من الخبر المتواتر من متعاطيه، ولم يتم ذلك لاختلاف المتعاطين مما أدى إلى اختلاف المفتين، وقد أوقعه ذلك في الاستطراد بموضوع الحشيشة والفرق بينهما وبين القات، فقال: إن العلماء منذ قرون لما حدثت الحشيشة في زمانهم بالغوا في اختبار أحوال آكلها حتى اتفقت أقوالهم على أنها مسكرة أو مخدرة، فكان في ذلك الزمان العارفون بعلم الطب والنباتات، فحكموا فيها بما اقتضته القواعد الطبية والتجريبية، فلذا ساغ لهم الجزم فيها بالتحريم، ثم عاد إلى ذكر ما أورده في الزواجر عن جوزة الطيب إذ يقول: إنه لا مرية في تحريم الجوزة وإسكارها أو تخديرها، واتفاق المذاهب على ذلك. ثم انتهى إلى أن ذلك الكلام يدل دلالة ظاهرة على تحريم القات؛ لأن الأئمة حرموا الجوزة مع اختلاف آكلها. وهذه هي النتيجة التي جزم فيها بتحريم القات وكأنه رجح صدق من أخبر بإسكارها أو تخديرها، ولعل فتوى مفتي المملكة العربية السعودية أقرب وأنفع وربما كان ذلك راجعا إلى أنه كان بعد ظهور الضرر البين في تعاطيها، والله ولي التوفيق.

وما دمنا بصدد الكلام في الفقه الشافعي فإننا نشير إلى ما تقدم في مناسبة من حكم الإمام النووي ومن تبعه وشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني بإسكار الحشيشة للنشوة والطرب، فيشملها تحريم المسكر، ويقول ابن حجر العسقلاني: وعلى فرض أنها مخدرة فإنه يشملها معنى التفتير في الحديث «نهى -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر (٢)». وعبارة الحافظ في فتح الباري (جـ ١٠ ص ٤٥): واستدل بمطلق قوله -صلى الله عليه وسلم- «كل مسكر حرام (٣)» على تحريم ما يسكر، ولو لم يكن شرابا فدخل في ذلك الحشيشة وغيرها. وقد جزم


(١) تقدم مثله في فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
(٢) سنن أبو داود الأشربة (٣٦٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٠٩).
(٣) صحيح البخاري المغازي (٤٣٤٣)، صحيح مسلم الأشربة (١٧٣٣)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٣٩١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤١٧)، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٨).