والقلي لا قبل ذلك، وخلاصة هذا الكلام أن المغيب للعقل (في اعتباره) أربعة: الخمر والبنج والأفيون والجوزة وإن الخمر حرام قليلها وكثيرها، والباقي لا يحرم منه إلا ما يغيب العقل عدا الحشيشة إذا كانت مسكرة فإنها مثل الخمر في تحريم قليلها وكثيرها، وفي هذا الكلام ما يفيد أنه يعتبر البنج هو الحشيشة، ويتضح ذلك أكثر بالرجوع إلى ما في أول الكتاب وإلى كتاب الفروق للقرافي، أما أول الكتاب (مواهب الجليل على متن خليل) في بيان النجاسات (منها المسكر) قال الحطاب نقلا عن التوضيح: فائدة يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد (يريد المنوم).
فالمسكر: ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح.
والمفسد: ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة كعسل البلاذر.
والمرقد: ما غيب العقل والحواس كالشيكران وينبني على الإسكار ثلاثة أحكام: الحد والنجاسة وتحريم القليل، إذا تقرر هذا فللمتأخرين في الحشيشة قولان: هل هي من المسكرات أو من المفسدات؟ مع اتفاقهم على المنع من أكلها، فاختيار القرافي أنها من المخدرات، قال: لأني لم أرهم يريد (الحشاشين) يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة، وربما عرض لهم البكاء، قال صاحب (التوضيح): وكان شيخنا المشهور بـ عبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات؛ لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها، وأطال في ذلك ثم قال الحطاب: ولفظ القرافي في الحشيشة ثلاثة أقوال، ثالثها الفرق بين أن تحمص فتكون نجسة وفيها الحد، واختار القرافي في الفرق الموفي أربعين (يعني في كتابه الفروق) أنه لا حد فيها، وإنما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة، ولا تبطل الصلاة بحملها، ثم قال: إن الأفيون والبنج من المفسدات، وقال: من صلى بواحد منهما لم تفسد صلاته إجماعا، وكذا غيره من المفسدات كأن يتناول من البنج والأفيون والشيكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل والحواس. انتهى.
وهذا الفرق الأربعون في كتاب (أنوار البروق) للقرافي