للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما أورده الشيخ محمد شمس الحق في هذا المقام أن الخطابي قال: في الحديث المفتر: كل شراب يورث الفتور والرخاوة في الأعضاء وهو مقدمة السكر نهى عن شربه؛ لئلا يكون ذريعة إلى السكر، ثم قال: وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، وأن من استحلها كفر، وقال ابن تيمية: أول ما ظهرت في أواخر المائة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكرات، وهي شر من الخمر من بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة وطربا كالخمر ويصعب الطعام عليها أعظم من الخمر، وإنما لم يتكلم عليها الأئمة الأربعة؛ لأنها لم تكن في زمانهم، إلى أن يقول: والحافظ ابن القيم لا يرى السكران في الزعفران، وللأئمة الحنفية كلام على طريق آخر. فقال الشامي (يريد ابن عابدين) في رد المختار، وقال محمد: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وهو نجس أيضا، قال الشامي: الظاهر أن هذا خاص بالأشربة المائعة دون الجامدة كالبنج والأفيون، فلا يحرم قليلها بل كثيرها المسكر، وبه صرح ابن حجر في التحفة وغيره، وهو مفهوم من كلام أئمتنا؛ لأنهم عدوها من الأدوية المباحة، وإن حرم السكر فيها بالاتفاق، ولم نر أحدا قال بنجاستها. ثم قال: والحاصل أنه لا يلزم من حرمة الكثير المسكر حرمة قليله ولا نجاسته مطلقا إلا في المائعات؛ لمعنى خاص بها أما الجامدات فلا يحرم منها إلا الكثير المسكر، ولا يلزم من حرمتها نجاسته كالسم القاتل؛ فإنه حرام مع أنه طاهر. . انتهى كلام الشامي.

ثم نقل الشيخ شمس الحق ما أورد صاحب الدر من حرمة أكل البنج والحشيش والأفيون؛ لأنه مفسد للعقل (١)، وقد أطال النقول المختلفة في ذلك، وأوضح أنه لم يقل أحد في جميع المذاهب بحل ما يغيب العقل، وقال بعضهم بحل القليل الذي لا يفسد ولا يكون على سبيل اللهو والآفة، وقد ذكرنا أنه بعد ظهور الفساد حرم القليل والكثير باتفاق أهل المذهبين (٢) كما سبق النقل، فما بالك لو رأوا


(١) عون المعبود جـ ٣ ص ٣٢٣.
(٢) الحنفي والشافعي جـ ٣ ص ٣٢٣.