الفساد والاضطراب الديني والخلقي والعقلي في هذا العصر؟ ومما يضيفه صاحب عون المعبود نقلا عن الشامي: أن زهر القطن قوى التفريح يبلغ الإسكار كما في التذكرة (يريد تذكرة داود الأنطاكي في الطب القديم) فهذا كله ونظائره يحرم استعمال القدر المسكر منه دون القليل. قال ومثله (بل هو أولى)(البرش) وهو شيء مركب من البنج والأفيون وغيرهما، ذكر في التذكرة أن إدمانه يفسد البدن والعقل ويسقط الشهوتين (يريد الطعام والوقاع) ويفسد اللون وينقص القوى وينهك، وقد وقع به الآن ضرر كثير، وما أكثر ما ظهر في عصرنا من هذه المفسدات والمعاجين المختلفة التي أضاعت الأعمار وشوهت وجه الحياة نسأل الله العافية.
ثم قال صاحب عون المعبود: إذا عرفت هذه الأقاويل للعلماء فاعلم أن الزعفران والعنبر والمسك ليس فيها سكر أصلا ولا تفتير ولا تخدير. وأطال في الكلام على جوزة الطيب والبسباسة والعود الهندي بما خلاصته أن المحرم في هذه الأشياء هو القدر الزائد الذي يوقع في التخدير والتفتير؛ «لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كل مفتر» ولم يقل أن ما أفتر كثيره فقليله حرام. وقد يقال: المفتر يقاس على المسكر في تحريم القليل من كل منهما سدا لباب الفساد في كل منهما، فإذا نهى عن قليل المسكر فهو نهي عن قليل المفتر بالقياس البين؛ لأن في كل منهما فتحا لباب الإكثار، وهو مخاطرة قبيحة لا يرضاها الشرع (١)، ثم انتهى إلى الحكم على حديث النهي عن كل مسكر ومفتر الذي هو موضوع البحث بأن فيه شهر بن حوشب وفيه خلاف، والصحيح أنه يحتج به، قال الإمام المنذري: إن شهر بن حوشب وثقه أحمد وابن معين، وتكلم فيه بعضهم، والترمذي يصحح حديثه. وقال الشوكاني في بعض فتاواه: إن الحديث صالح للاحتجاج؛ لأن أبا داود سكت عنه، وقد ذكر عن نفسه أنه لا يسكت إلا عما هو صالح للاحتجاج به، وصرح بذلك جماعة من الحفاظ مثل ابن الصلاح وزين الدين العراقي والنووي وغيرهم. ثم قال: ما دام أحمد ويحيى