للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن حيث بناء النظرية على التمييز بين صورة من صور الربا الجاهلية بالقول بأنها مقصودة في القرآن، والمحرمة تحريم مقاصد وربا النسيئة - ومنه ربا القرض - بالقول بأنه ليس من الربا المقصود في القرآن، ومحرم تحريم وسائل فهو خطأ واضح كالشمس، ووهم زل به عالم جليل نقصد به الشيخ رشيد رضا (وندعو الله أن يعفو عنه في جانب حسناته الجليلة والله أعلم بها) ولكن لا يجوز تقليده في زلته، ولو لم ترد النصوص موضحة أن ربا الجاهلية لا يقتصر على تلك الصورة لوجب أن نستيقن ذلك من طبائع الأمور وحكم العقل.

كانت مكة واديا غير ذي زرع فلم يكن اقتصاد قريش قائما على الزراعة، وإنما كان قائما على التجارة وكانت لهم رحلتا الشتاء والصيف، وكان منهم أصحاب الأموال (الممولون) وأصحاب العمل (المحتاجون للتمويل) وكان من الطبيعي أن يكون القرض الأداة الرئيسية للتمويل، ولا يعقل أن الممولين من قريش لم يعرفوا إلا القرض الحسن الذي لا يكون فيه ربا.

وعندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم وضع ربا الجاهلية تحت قدميه الشريفتين لم يفهم أحد أبدا أنه وضع فقط صورة (إما أن تقضي أو تربي) وترك ربا القرض قائما غير موضوع. وحين وضع ربا العباس، لم يكن الموضوع فقط ما كان على صورة " إما أن تقضي أو تربي " والنصوص تشهد لهذا.

فقد روى الطبري عن السدي في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (١) قال: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى أناس من ثقيف. . الحديث ج ٦ ص ٣٣. كما روى عن السدي في تفسيره قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٢) قال: الذي أسلفتم وأسقط الربا. ج ١ ص ٢٧. والسلف في اللغة هو القرض.

والعلماء عندما ذكروا صورة " إما أن تقضي وإما أن تربي " على أنها ربا


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٩