يا مزني، بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة. قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة).
وذهب أحمد إلى موافقة عمر في الفعلين جميعا. ففي مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي التي شرحها السعدي بكتاب سماه المترجم، قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يحمل الثمر من أكمامه، فقال: فيه الثمن مرتين وضرب نكالا. وقال: وكل من درأنا عنه الحد والقود أضعفنا عليه الغرم. وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي، وهذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانا، على خلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجانا لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرونه ظهر لك التفاوت، فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد، وكون أصله على الإباحة كالماء وشبهة القطع به مرة وشبهة دعوى ملكه بلا بينة وشبهة إتلافه في الحرز بأكل أو احتلاب من الضرع، وشبهة نقصان ماليته في الحرز بذبح أو تحريق ثم إخراجه، وغير ذلك من الشبه الضعيفة جدا إلى هذه الشبهة القوية؟ لا سيما وهو مأذون في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه فدرئ، نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قطع ". كلام ابن القيم في (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج ٣ ص ١٠ - ١٢ مكتبة الكليات الأزهرية).