عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى، ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لابس خاتم الذهب بطرحه فلم يعرض له أحد، ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم.
ومنها تحريق عمر رضي الله عنه المكان الذي يباع فيه الخمر، ومنها تحريق عمر رضي الله عنه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره، ومنها مشاطرة عمر بن الخطاب عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين، ومنها أنه رضي الله عنه ضرب الذي زور على نقش خاتمه وأخذ شيئا من بيت المال مائة ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة، ومنها أن عمر رضي الله عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه وأطعمه إبل الصدقة، ومنها أنه رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش وغير ذلك مما يكثر تعداده، قال ابن فرحون بعد عرض هذه القضايا الدالة على أن التعزير لا يختص بفعل معين ولا قول معين، قال:" وهذه قضايا صحيحة معروفة، قال ابن قيم الجوزية: وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب أحمد رضي الله عنه، وبعضها شائع في مذهب مالك رضي الله عنه.
ومن قال أن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذهب الأئمة نقلا واستدلالا وليس يسهل دعوى نسخها، وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل لدعوى نسخها والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم إلا أن يقول أحدهم: مذهب أصحابنا لا يجوز فمذهب أصحابه عنده عيار على القبول والرد " انتهى.
وأما حديث: «لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله (١)». فيقول فيه الإمام ابن القيم في (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج٢ ص٤٨) نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، ولا منافاة بينه وبين شيء مما ذكرنا - أي مما يدل على الزيادة في التعزير على عشرة أسواط - فإن الحد في لسان
(١) صحيح البخاري الحدود (٦٨٥٠)، صحيح مسلم الحدود (١٧٠٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٦٣)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٩١)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٦٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٥)، سنن الدارمي الحدود (٢٣١٤).