للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشارع أعم منه في اصطلاح الفقهاء؛ فإنهم يريدون بالحدود عقوبات الجنايات المقدرة بالشرع خاصة، والحد في لسان الشارع أعم من ذلك؛ فإنه يراد به هذه العقوبة تارة، ويراد به نفس الجناية تارة كقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (١) وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (٢) فالأول حدود الحرام، والثاني حدود الحلال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حد حدودا فلا تعتدوها» وفي حديث النواس بن سمعان الذي تقدم في أول الكتاب: «والسوران حدود الله (٣)»، ويراد به تارة جنس العقوبة وإن لم تكن مقدرة، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله (٤)» يريد به الجناية التي هي حق الله.

قال - أي ابن القيم - فإن قيل: فأين تكون العشرة فما دونها إذا كان المراد بالحد الجناية؟ قيل: في ضرب الرجل امرأته وعبده، وولده وأجيره للتأديب ونحوه؛ فإنه لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط. فهذا أحسن ما خرج عليه الحديث وبالله التوفيق. اهـ. كلام ابن القيم، وحيث إنه قد أشار فيه إلى هناك تخريجات لحديث: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله عز وجل (٥)» فقد استحسنا إيرادها، فنقول وبالله التوفيق: قال الحافظ المنذري في (مختصر سنن أبي داود ج٦ ص ٢٩٤ طبعة السنة المحمدية) قال: " تأوله بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على أن الزيادة على الجلدات العشر إلى ما دون الأربعين لا يكون بالأسواط لكن بالأيدي والنعال والثياب ونحوها على ما يراه الإمام.

وتأوله غيرهم على أنه مقصور على زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر، وقيل: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «في حد من حدود الله (٦)» أي: حق من حقوقه، وإن لم يكن من المعاصي المقدر حدودها؛ لأن المحرمات كلها من حدود الله.

وقال بظاهر الحديث أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأشهب في بعض الروايات عنه أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، ومذاهب العلماء في تقدير التعزير كثيرة. قال: وذكر ابن المنذر أن في إسناد الحديث مقالا، وقال أبو محمد الأصيلي: اضطرب إسناد حديث


(١) سورة البقرة الآية ١٨٧
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٨٣).
(٤) صحيح البخاري الحدود (٦٨٥٠)، صحيح مسلم الحدود (١٧٠٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٦٣)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٩١)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٦٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٥)، سنن الدارمي الحدود (٢٣١٤).
(٥) صحيح البخاري الحدود (٦٨٤٨)، صحيح مسلم الحدود (١٧٠٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٦٣)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٩١)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٦٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٥)، سنن الدارمي الحدود (٢٣١٤).
(٦) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٧٥)، صحيح مسلم الحدود (١٦٨٨)، سنن الترمذي الحدود (١٤٣٠)، سنن النسائي قطع السارق (٤٨٩٨)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٧٣)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٤٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٦٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٣٠٢).