خلفهم بأن يصوروا صورهم وينصبوها في مجالسهم ليكون ذلك ذكرى لما هم عليه من التقى والصلاح فتزيد ذكراهم من تذكرهم في العمل الصالح ففعلوا، حتى إذا هلك أولئك الذين صوروا تلك الصور، جاء الشيطان إلى خلفهم ووسوس إليهم أن الغرض من تصوير هذه الصور عبادتهم، فانقادوا لوساوسه فعبدوهم، وفي هذا المعنى جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد. أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، أو ما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، وفعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت. اه.
وبذلك حصل الشرك بالله وعبادة الأوثان، ثم تتابعت القرون تلو القرون، وتتابع إرسال الرسل، فجاءت رسل الله بالحق وبالسلطان المبين مبشرين ومنذرين ومبلغين رسالات رب العالمين، فكان منهم هود: إلى عاد، وصالح: إلى ثمود، ولوط: إلى قومه، وإبراهيم وبنوه وأحفاده وأسباطه، وكان الحق في صراع مع الباطل، والشيطان في حرب مستمر مع عباد الله، يضل ويغوي ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، حتى وصلت الرسالة إلى موسى - عليه السلام، فتبعه من بني إسرائيل من تبعه على الرغم مما صار منهم من التعنت والتجبر والاستطالة، والكفر بنعم الله انقيادا لوساوس الشيطان وإيحاءاته، ثم ما برح الشيطان بهم يضلهم ويمنيهم حتى كان منهم من آذى رسل الله بعد موسى بالقتل والتنكيل والاستهزاء والسخرية، وقد كان للشيطان في سبيل الغواية والإضلال طرق مختلفة وخطط ملتوية، فلئن كان هدفه ممن يمكن إضلالهم بالكفر