والجحود والتنكر لحقوق الله تعالى زاد في إغوائهم ليصلوا إلى الكفر بالله وبفضله وبنعمه، بل بوجوده، فهذا ضحيته فرعون يقول: ما علمت لكم من إله غيري، وهذا ضحيته الآخر قارون يقول حينما خرج في زينته واغتر بما تحت يده من كنوز تنوء بمفاتيحها العصبة، يقول في كفر وتبجح بالكفر: إنما أوتيته على علم عندي. ولهذين الضحيتين أمثال وأشكال.
ولئن كان هدف الشيطان ممن يريد إضلاله بالانحراف عن دين الله ممن أنار الله بصائرهم بالهدى واتباع سبل الحق، فإن طريقه نحو إضلالهم: الدخول عليهم من باب الغلو في الدين والابتداع في أصوله وقواعده ومقتضياته، فكان من أحبار اليهود ورهبانهم من حرفوا كتاب الله، وغيروا فيه، وأخفوا ما لا يتفق مع أهوائهم ونزعاتهم، وجعلوا لله شركاء في ملكه وربوبيته وألوهيته، فقالوا: عزير ابن الله، حتى جاءت الديانة اليهودية ديانة ممسوخة مشوهة مبنية على التعالي على عباد الله، واستباحة حرماتهم من أموال ونفوس وأعراض، على حد قولهم: ليس علينا في الأميين سبيل، لقد دأب إبليس وما زال في حرصه ودأبه على القيام بما التزم به من احتناك ذرية آدم وإغوائهم وإضلالهم، فلقد أراد الله لعباده الخير وإنقاذهم من المسالك اليهودية في استباحة حرمات الله وحرمات عباده، حيث كانت المجتمعات الإنسانية تئن تحت وطأة مظالم اليهود وتجبرهم وتعاليهم على غيرهم، ومحاولتهم السيطرة على المجتمعات الإنسانية بدعواهم الآثمة الطاغية:
{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(١) الآية (٧٥) من سورة آل عمران.
وبدعواهم الكاذبة: نحن أبناء الله وأحباؤه. فأرسل الله عيسي - عليه السلام - رسولا من عند الله مؤيدا بالمعجزات الباهرة، والآيات الدالة على صدقه رسولا من رب العالمين، يدعو الناس إلى إفراد الله بالعبادة والتعامل مع عباد الله بما يحفظ لهم كراماتهم وحقوقهم، وأن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن الكل عباد الله وخلقه، وأن الله تعالى