للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليهم وحسبهم، فاستجاب لدعوته عدد كبير من عباد الله إلا أن الشيطان غاظته هذه الاستجابة فخطط للفساد والإفساد، والضلال والإضلال، وعامل كل فريق بما يستحقه من أسباب الغواية والكفر والانحراف، فاتجه بثقله إلى أتباع عيسى - عليه السلام -، يوحي إليهم أن عيسى ليس من طينة البشر، فقد جاء من غير أب، وهذا يعني أن الله أبوه، تعالى الله وتقدس، وأنه يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخبر الناس بما يأكلونه وما يدخرونه في بيوتهم، ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا، فما يقوم به عيسى ليس من جنس المعجزات الدالة على النبوة والرسالة، وإنما هي من القدرات الإلهية، فهو رب من الأرباب، ينبغي أن يعبد كما يعبد رب الأرباب، فغلا فيه قومه وأتباعه حتى جعلوه معبودا مع الله.

ثم اتجه إبليس إلى اليهود المعاصرين لرسالة عيسى - عليه السلام - ليتمادى بهم في الكفر والضلال، والتجبر والعناد، فكفروا برسالة عيسى - عليه السلام - ورموا أمه العذراء بالإفك والإثم والفجور، وقالوا عن عيسى إنه ابن زنا وسفاح، وناصبوه وأمه وأتباعه العداء، وهموا بقتله، فقتلوا من ظنوه عيسى، ثم قالوا تبجحا وعنادا وطغيانا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم. ولكن الأمر كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (١) {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (٢).

ثم استمر الشيطان في تنفيذ مخططه الغوغائي، فبعد أن استقامت الديانة المسيحية وقتا ما، أوحى الشيطان إلى أحبارها ورهبانها بالوساوس وخواطر السوء، فقاموا بتحريف كتاب الله الإنجيل وتبديله والتغيير فيه،


(١) سورة النساء الآية ١٥٧
(٢) سورة النساء الآية ١٥٨