للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالثا: التقديس قد يكون غلوا ممنوعا، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - حقه علينا المحبة والمتابعة والعمل بشرعه وترك ما نهى عنه، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن إطرائه، وهو المبالغة في مدحه، ولما «قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني ندا لله، قل: ما شاء الله وحده (١)»، وليس تقديس المخلوق تقديسا لله كما يقول: بل قد يكون شركا بالله عز وجل إذا تجاوز الحد.

(د) وقوله: إن حديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (٢)» يدل على شرف المسجد الذي دفن بجواره. . .، الجواب عنه: إن شرف المسجد النبوي ليس من أجل كون قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواره، فإن فضله ثابت قبل دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - بجواره؛ لأنه أول مسجد أسس على التقوى، ولأنه مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة (٣)»، ولم يقل بعد موتي، والمساجد الثلاثة فضلت على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء لا من أجل القبور أو مجاورة القبور، بل لأنها أسست على التوحيد والطاعة، لا على الشرك والخرافة.

(هـ) قوله: وقد دفن - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيت عائشة الذي كان أقرب بيوت أزواجه إليه - يعني المسجد -، وقد كان متصلا بالمسجد، وأنه لو أريد منع زيارة قبره لدفن في مكان بعيد عن المسجد كالبقيع.

والجواب عنه:

أولا: أن هذا كلام من لا يعرف ما جاء في السنة من الأحاديث الموضحة لملابسات دفنه - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة - رضي الله عنها - وما هو القصد من ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما مرض استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها - لمحبته لها، ومحبة قربها منه وتمريضها له، فأذن له في ذلك، ولما توفي - صلى الله عليه وسلم - دفن في المكان الذي توفي فيه؛ لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما جاء في


(١) سنن ابن ماجه الكفارات (٢١١٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٤٧).
(٢) صحيح البخاري الجمعة (١١٨٩)، صحيح مسلم الحج (١٣٩٧)، سنن النسائي المساجد (٧٠٠)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٣٣)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٣٤)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٢١).
(٣) صحيح البخاري الجمعة (١١٩٠)، صحيح مسلم الحج (١٣٩٤)، سنن الترمذي الصلاة (٣٢٥)، سنن النسائي المساجد (٦٩٤)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٤٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٨٥)، موطأ مالك النداء للصلاة (٤٦١).