للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث، والقصد من ذلك خشية أن يفتتن بقبره - صلى الله عليه وسلم - لو دفن في مكان بارز فيتخذ مسجدا وعيدا مكانيا، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحذر من ذلك فيقول: «لا تتخذوا قبري عيدا (١)»، ويقول: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد (٢)»، وقدر روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا (٣)».

هذا هو القصد من دفنه - صلى الله عليه وسلم - في حجرة عائشة، وهو حماية التوحيد وحماية قبره أن يتخذ مسجدا، وليس القصد ما توهمه الخرافيون أنه دفن في بيت عائشة لأجل القرب من المسجد والتبرك بقبره - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يحذر من اتخاذ القبور مساجد والتبرك بها، ومن بناء المساجد على القبور؛ لأن هذا من وسائل الشرك؛ فدفنه - صلى الله عليه وسلم - في بيته لمنع هذه الأشياء أن تمارس عند قبره.

ثانيا: زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - الزيارة الشرعية ليست ممنوعة، بل هي مستحبة كزيارة قبر غيره إذا كان ذلك بدون سفر، وكان القصد السلام عليه، والدعاء له - صلى الله عليه وسلم -.

ثالثا: قوله: وأنه لو أريد منع زيارة قبره لدفن في مكان بعيد عن المسجد كالبقيع، أقول معنى هذا الكلام أنه - صلى الله عليه وسلم - دفن في حجرة عائشة لأجل أن يزار ويتبرك بقبره على حد قوله.

وهذا فهم يخالف ما جاء في الحديث الصحيح الذي تقدم ذكره، وهو أنه دفن في بيته لمنع أن يتخذ قبره مسجدا، ثم إن دفنه في البقيع أمكن لزيارة قبره والتبرك به من دفنه في بيته، عكس ما يقوله أبو زهرة، فلو كان ما يقوله مشروعا لدفن في البقيع لتمكين الناس من هذه المقاصد التي قالها.


(١) سنن أبو داود المناسك (٢٠٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٦٧).
(٢) موطأ مالك النداء للصلاة (٤١٦).
(٣) صحيح البخاري الصلاة (٤٣٦)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١)، سنن النسائي المساجد (٧٠٣)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٤٦)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٠٣).