للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الحقيقة. ولئن انحصر فيها فوضع اللغة لا تراعي الموجودات بكنهها الحقيقي. وإنما تلك مذاهب فلسفة إن لم يضل فيها أمثلهم، فلم يهتد فيها فريق إلى مقنع. فما علينا إلا الوقوف عندما تبلغه عقولنا) (١).

ثم يقول: (ولهذا لم يأت الكتاب العزيز، وما سبقه من الكتب إلا بتوجيه النظر إلى المصنوع، لينفذ منه إلى معرفة وجود الصانع، وصفاته الكمالية، أما كيفية الاتصاف فليس من شأننا أن نبحث فيها) (٢).

وهكذا يتبين لنا أن الخلاف حول " صفات الحركة " وحول غيرها من الصفات، والأسماء الإلهية، خلاف قائم على غير أساس علمي أو عقلي، فليس ثمة شواهد علمية تحتم علينا أن نسلك تجاه الأسماء أو الصفات الإلهية أو مسلك أولئك الذين لم يجروها على ظاهرها بدون تكييف أو تشبيه، ودون نفي أو تعطيل، وإنما اتجهوا تارة إلى النفي، وتارة إلى التأويل بحجة التنزيه.

- أقول ليس ثمة شواهد أو ضرورة تحوج إلى اتباع مثل هذا المنهج؛ لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أسمائه.

وفضلا عن هذا: فإن المنهج العقلي المعتدل، البعيد عن الأهواء والمتخلص من الشبهات، يحتم بضرورة الإيمان بهذه الصفات، أو الأسماء دون لجوء إلى التكييف، أو التشبيه، أو التأويل. وقد مر بنا فيما تقدم أن علماء المسلمين المتبحرين في العلم، قاطبة قد وقفوا هذا الموقف، وتابعوا الصحابة والتابعين في الاتجاه إليه.

يقول ابن تيمية: (مذهب أهل الحديث، وهم السلف من القرون الثلاثة، ومن سلك سبيلهم، من الخلف أن هذه الأحاديث تمر كما جاءت، ويؤمن بها، وتصدق، وتصان عن تأويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل. وقد أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف، منهم " الخطابي ": مذهب السلف أنها تجرى على ظاهرها مع نفي الكيفية، والتشبيه عنها،


(١) الإمام محمد عبده، رسالة التوحيد، ص / ٥٦ - ٥٧.
(٢) الإمام محمد عبده، رسالة التوحيد، ص / ٥٦ - ٥٧.