للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " اتقوا الرأي في دينكم ". وكان يقول: " إن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين يسألوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم " (١).

وقال ابن عباس: " إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن قال بعد ذلك برأيه فما أدري أفي حسناته أم في سيئاته " (٢).

واستمرت الأمة تأخذ عقائدها وأحكامها الشرعية من الكتاب والسنة رأسا. وترى فيهما الكفاية والشفاء. ثم جاء بعد ذلك عصر الفتوح واتسعت رقعة الدولة الإسلامية ودخل في الإسلام كثير من أهل الديانات الأخرى واختلطوا بالمسلمين في كل مكان. وسهل هذا الاختلاط على المسلمين الوقوف على ما عند هؤلاء من مذاهب وأفكار ونظريات وتشريع، فتأثروا بها ووجد أناس أخذوا يفسرون بها الإسلام وعقيدته ثم جدت فتن وأحداث سياسية كبرى شقت صفوف المسلمين وفرقت جماعتهم وأثارت بينهم مجادلات سياسية ودينية اصطبغت بمر الزمن بصبغة الدين. وظهرت في الإسلام فرق جديدة كالخوارج والشيعة والمرجئة، وأخذت تتجادل حول بعض المسائل الدينية. كما وجدت مذاهب فقهية عديدة، ووجد لكل منها متعصبون من عامة المسلمين وخاصتهم وتناحروا فيما بينهم وتباغضوا وتعصب كل حزب بما لديه حتى وصل بهم الأمر إلى رفض الكتاب والسنة وجعلهما وراء ظهورهم.

ولكن رغم كل هذه العصبيات والبعد عن المنابع الأصلية للدين، وجد في كل عصر ومصر أئمة مهتدون ومحدثون كبار ومجددون للدين الحنيف، دعوا الأمة الإسلامية إلى التمسك بالكتاب والسنة والعودة إليهما، وبينوا لها أنه لا خلاص لها من أمراضها إلا بالعودة إلى الدين


(١) انظر إيقاظ الهمم ص / ١٢.
(٢) انظر إيقاظ الهمم، ص / ١٣.