يتأصل لها غير شيخ الإسلام، فقد ذكر القاضي أبو البركات المخزومي أن بلاد الشام فقط كان بها سبعون مجتهدا، والتاريخ يشهد أن الأئمة والحفاظ والنقاد الذين وجدوا في ذلك العصر لم يوجدوا مجتمعين في عصر آخر، منهم: أبو الفتح بن سيد الناس الأشبيلي، وشمس الدين المقدسي، وأبو العلى الأنصاري السبكي، والقاضي الزملكاني، وأبو العباس بن عمر الواسطي، وأبو الفداء عماد الدين، والحافظ ابن قدامة المقدسي، والإمام برهان الدين الفزاري، والحافظ صلاح الدين البعلبكي، والشيخ صفي الدين البغدادي، والحافظ البرزالي الأشبيلي، وتقي الدين السبكي، والحافظ جمال الدين المزي، والإمام تقي الدين ابن دقيق العيد، والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وغيرهم كثيرون من الذين ذكر حياتهم وسيرهم الحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتبهما.
وأخص منهم بالذكر الحافظ المزي، والحافظ البرزالي، وابن دقيق العيد والحافظ الذهبي، فقد كان كل منهم إماما في الحديث وعلومه، وخاصة الإمام الذهبي فإن أياديه على الأمة عظيمة، ولا يشاركه في هذه الأفضال إلا الحافظ ابن حجر العسقلاني، فقد حفظا على الأمة الإسلامية سنة رسولها، وضبطا ودونا ونقدا وجمعا أحوال الرواة وأخبارهم، وكشفا الصحيح والضعيف، وميزا بين المقبول والمردود، حتى أصبح العمل بالسنة سهلا ميسورا للمسلمين.
فإنه لا يخفى على من لديه إلمام بتاريخ السنة، أنها مرت بعهدين، العهد الأول عهد التدوين، والثاني عهد التنقيح والتمييز، وهما من فرسان العهد الأول بل من رواده، حتى أصبحت السنة وعلومها مدونة ومنقحة وسهلة ميسورة للعمل بها لكل من أراد التمسك بالكتاب والسنة.
ولكن هل تجد أحدا من هؤلاء العظماء استطاع أن يدرك غبار شيخ الإسلام - رحمة الله عليه -؟ الجواب: لا، فإن شيخ الإسلام فاق أقرانه وأهل عصره في جميع العلوم والفنون، ومع ذلك نال درجة لم ينلها غيره،