وهي درجة العزيمة في الدعوة إلى الله، ورتبة تجديد معالم الدين، وإعادة الأمة إلى حظيرة الكتاب والسنة، حتى أجمع أهل عصره على القول بأنهم ما رأوا مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه، وقد مرت أقوال الأئمة في عصره للاعتراف بهذا (١).
ولا بأس أن أذكر هاهنا ملخص ما ذكره الحافظ ابن كثير عما جرى للشيخ عماد الدين الواسطي، فقد ذكر، أن الواسطي هذا كان في أول الأمر من الفقهاء المتكلمين، وكان يغلب عليه الجدل والكلام والرأي، فلما انتقل من مصر إلى بغداد والتقى بأهلها وعلمائها، وتوسعت مداركه، وحاسب نفسه وجدها فارغة عن الطمأنينة؛ فترك سبيل الفقهاء والمتكلمين واتجه إلى التصوف واقترب من المتصوفة، فلما رأى ما رأى عندهم من الغرائب، تكدر طبعه وقرر السفر إلى دمشق، وحضر مجلس شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان الدرس الأول عن المتكلمين والفلاسفة وعن فقدهم طمأنينة القلب، وأن مشاهيرهم اعترفوا بهذا، وشهدوا على أنفسهم بالاضطراب والحيرة اللذين سببهما الكلام والفلاسفة في قلوبهم، فقالوا:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم
أو قالوا:
نهاية أرباب العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
يقول الشيخ عماد الدين ما معناه: إن شيخ الإسلام استمر في كلامه وأوضح أن الدواء الناجع لأمراض القلب، والسبب الوحيد لنيل طمأنينته، هو التمسك بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فانقشع الظلام، وزالت الحيرة، ووجدت نور الحقيقة الذي كنت حيران من أجله.