للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها، فقلت له: والله، لا أنكحتها أبدا، قال: ففي نزلت هذه الآية: فكفرت عن يميني، وأنكحتها إياه (٢)».

وجمهور أهل العلم على أنه لا يصح العقد بدون ولي للأدلة المذكورة، وممن قال بوجوب الولي: علي وعمر، وابن مسعود وابن عمر، وابن أبي ليلى والعترة، وأحمد وإسحاق والشافعي. ونقل عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلا، ويجوز للمرأة أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفئا، واحتج بالقياس على البيع؛ فإنها تستقل به، وبحديث «الثيب أحق بنفسها من وليها (٣)»، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخص بهذا القياس عمومها (٤).

أما حديث «الثيب أحق بنفسها من وليها (٥)» فلا حجة لهم فيه؛ لأن معناه كما قال النووي في (شرح مسلم ٩/ ٢٠٤): (أن لها في نفسها حقا، ولوليها حقا، وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفئا وامتنعت لم تجبر)، ونقل صاحب عون المعبود (٦/ ١٠١) عن ابن الجوزي قوله: (إنه أثبت لها حقا، وجعلها أحق؛ لأنه لا يجوز للولي أن يزوجها إلا بإذنها)، وقال الصنعاني في (سبل السلام ٣/ ١١٩): (أحقيته الولاية، وأحقيتها رضاها، فحقها آكد من حقه، لتوقف حقه على إذنها) فتأويل الحنفية لهذا الحديث ترده الأخبار الصحيحة المفيدة لاشتراط الولي، أما لجوؤهم إلى القياس مع


(١) رواه البخاري (٨/ ١٤٣) في التفسير، والترمذي (٣٩٨٥) فيه، وأبو داود (٢٠٨٧) في النكاح. وقد نقل الصنعاني في (سبل السلام ٣/ ١١٨) عن الشافعي قوله: (هذه الآية هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، فلو كان لها تزويج نفسها لم يعاتب أخاها على الامتناع، ولكان نزول الآية لبيان أنها تزوج نفسها).
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٢ (١) {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
(٣) صحيح مسلم النكاح (١٤٢١)، سنن الترمذي النكاح (١١٠٨)، سنن النسائي النكاح (٣٢٦٠)، سنن أبو داود النكاح (٢٠٩٨)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٧٤)، موطأ مالك النكاح (١١١٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٩٠).
(٤) انظر: (فتح الباري ٩/ ١٨٧) و (عون المعبود ٦/ ١٠١) و (نيل الأوطار ٦/ ٢٥١).
(٥) صحيح مسلم النكاح (١٤٢١)، سنن الترمذي النكاح (١١٠٨)، سنن النسائي النكاح (٣٢٦٠)، سنن أبو داود النكاح (٢٠٩٨)، سنن ابن ماجه النكاح (١٨٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٧٤)، موطأ مالك النكاح (١١١٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٩٠).