للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واليوم وقد استيقظ بعض المسلمين من سبات عميق فبهت كثير منهم بما رأى حوله. والبعض الآخر وهم القليل أدركوا أن دليل الطريق إلى النجاة من كل عثرة هو كتاب الله وسنة رسوله فأقبلوا عليهما حفظا وفهما وعملا وتعليما، فاستبان لهم الحق ووجب عليهم رد الحائرين إليه.

إن المؤذن ينادي في كل يوم وليلة خمس مرات في شتى بقاع الدنيا في وقت معين " الله أكبر " يرددها أكثر من أي جملة أخرى ويعيدها عند نهاية الآذان ليذكر كل كبير أنه صغير بين يدي الله، عبد له فيتخلص من نزوة النفس. ونشوة الحياة. وسكرة النفوذ. وكما يتذكر الكبراء هذا المعنى يتذكر الضعفاء كبرياء الله وأنه أكبر من كل كبير، فتحيا آمالهم، وتقوى نفوسهم، وتهتز قلوبهم. إذ الأكبر ليس هذا المتسلط ولا ذاك الغاشم. وإنما هو الرحمن الرحيم. ثم يتبع هذا، الإقرار والخضوع بشهادة التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله. وأصوات المؤذنين في القرى والمدن تغطي ما بين المساجد. والمشروع لسامع المؤذن أن يقول مثله في ذلك، فيكون المسلمون في جميع الدنيا يجددون إسلامهم كل يوم وليلة خمس مرات، بنداء واحد ودعاء واحد تنبع منه عقيدة واحدة.

...

ثم إنهم في صلاتهم يستقبلون قبلة واحدة، كل أهل حي يضمهم بناء واحد يتبعون إماما واحدا لا يختلفون عليه ويسبقونه، يسددونه بالتنبيه والفتح عليه متى احتاج إلى ذلك. ومتى خالف الإمام في أمر أساسي في الصلاة وتيقن المأموم ذلك ونبهه ولم يستجب لزم المأموم اتباع الحق ومتابعة الإمام حينما يمكنه ذلك. هذا المنهج في العبادة هو المنهج في الحياة للمسلمين «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي (١)» ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٢)».

هذا الاجتماع الأخوي لكل أهل حي، المتكرر في اليوم، المقتضي للألفة والتعاون والنصرة، به يعرف المختلف وسبب تخلفه فإن كان لعارض حضر في الوقت الآخر وإن استمر بحث عن السبب، فإن كان كسلا وتهاونا فلا يترك فريسة للشيطان يستحوذ عليه وينفرد به كما ينفرد الذئب بالقاصية من الغنم، بل يزار ويعالج أمره برفق ولين وحكمة حتى يرد إلى بيت الله مع عباد الله.

وإن كان المرض أقعده سعى له في العلاج بما يناسب حاله، وإن كان الفقر جمع له ما يعينه ونظر فيما يستطيعه من عمل وبذلت الأسباب لتشغيله، إن تحقيق معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (٣)». تحقيق هذا المعنى لا يتم على الوجه الأكمل إلا إذا أديت الصلاة في المسجد مع الجماعة. لأنك قد ترى جارك في الصباح ولا تراه في المساء، ولن تطرق عليه بابه كل يوم خمس مرات لتطمئن عليه،


(١) صحيح البخاري الأحكام (٧١٤٢)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٦٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١١٤).
(٢) صحيح مسلم الإمارة (١٨٤٠)، سنن النسائي البيعة (٤٢٠٥)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦٢٥).
(٣) صحيح البخاري الأدب (٦٠١١)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠).