للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقض ما أمضاه بتبين الخلاف " (١).

ومثل هذا التوقف لا ينبغي الخلاف في أنه واجب.

الثاني: أنهم إنما منعوا ذلك خوفا من أن يقدم كل أحد على العمل بالعموم، والحكم به، وإن كان من غير أهل الاجتهاد، ولا شك أنه لو أذن لغير المجتهدين في أن يعملوا بالعموم من غير بحث عن المخصص لتعطل كثير من نصوص الشريعة الخاصة للجهل بها، وعدم البحث عنها، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ترجيح قول المانعين: "وهذا هو الصحيح الذي اختاره أبو الخطاب وغيره، فإن الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه، فإذا غلب على الظن انتفاء معارضه غلب على الظن مقتضاه، وهذه الغلبة لا تحصل للمتأخرين في أكثر العمومات إلا بعد البحث عن المعارض" (٢).

فقوله: إن هذه الغلبة لا تحصل للمتأخرين إلا بعد البحث عن المعارض. يدل على أنه إنما منع من ذلك خشية أن يتشبث بعض مدعيي العلم ببعض العمومات، ويتركوا البحث عن مخصصاتها.

والذين نقلوا الإجماع على المنع ربما قصدوا المنع من الاعتقاد الجازم قبل البحث، لا المنع من العمل إذا حضر وقت العمل بالعام. وقد أشار إمام الحرمين إلى ذلك حيث قال: "إذا وردت الصيغة الظاهرة في اقتضاء العموم ولم يدخل وقت العمل بموجبها. فقد قال أبو بكر الصيرفي من أئمة الأصول: يجب على المتعبدين اعتقاد العموم فيها على جزم، ثم إن كان الأمر على ما اعتقدوه فذلك وإن تبين الخصوص تغير العقد. وهذا غير معدود عندنا من مباحث العقلاء. ومضطرب العلماء، وإنما هو قول صدر


(١) فواتح الرحموت (١/ ٢٦٧).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٦٦ - ١٦٧).