من غباوة واستمرار في عناد. . (إلى أن قال): " والذي يكشف الغطاء في هذه المسألة أن المتعبد قبل أن يحين العمل يتردد، وقد يغلب على ظنه العموم لظهور اللفظ في اقتضائه، ثم إذا لم يرد مخصص ودخل وقت العمل فيقع ذلك على وجهين:
أحدهما: القطع بالتعميم، فينتهض اللفظ العام مع ما يبدو من القرائن نصا، وقد يقع ذلك نصا في مسالك الظنون، فإن العمل لا ينحصر في مدارك القطع، فالمقطوع به وجوب العمل بالعموم، فأما أن يعتقد إرادة العموم فلا، وهذا يطرد في كل ما لا يكون قاطعا كأخبار الآحاد والأقيسة الظنية، فالمقطوع به في جميع هذه الأبواب وجوب العمل به " (١).
فهذا الكلام يدل بوضوح على أن إمام الحرمين لم ينكر على الصيرفي القول بوجوب العمل بالعام إذا حضر وقت العمل من غير توقف، وإنما أنكر عليه القول بوجوب اعتقاد العموم الذي لم يحضر وقت العمل به، من غير بحث عن المخصص اعتقادا جازما، وقد اتهمه بالغباوة والعناد، وعد قوله مخالفا لمسالك العقلاء؛ وذلك لأن العام ظاهر لا يرتفع إلى درجة النص إلا بقرائن تدل على أنه أريد به العموم، فكيف يصح أن تقطع بأن مطلقه أراد التعميم من غير بحث عما قد يخصصه؟
ثم بين أن وجوب العمل به لا يدل على أنه ارتفع إلى درجة القطع، بل المقطوع به وجوب العمل، لا إرادة التعميم.
والحنابلة وإن كان منهم من أوجب اعتقاد عمومه قبل البحث، لكن لا يقصدون بذلك الاعتقاد الجازم، بل اعتقاد موقوف على عدم تبين المخصوص، أو هو ظن غالب.
وأما الذين أجازوا العمل بالعموم قبل البحث لمن سمعه من النبي