للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضرورته للحياة ملحة، وكان مقصدا شرعيا لتضامن الأدلة على حفظه ورعايته، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (١).

والسارق لما أخذ مال غيره خفية وظلما وانتهبه بغيا وعدوانا، وكان أكبر مساعد له على فعله اليد التي امتدت لأخذه وانبسطت لسلبه، وتحركت لاغتياله ونهبه، كانت أحق بالعقوبة دون سائر الجوارج؛ لذلك أوجب الله قطعها؛ لأن بها البطش والسطو، زجرا واعتبارا كيلا تمتد يد لسرقة، ولا تحدث نفس صاحبها بها أصلا؛ لأنه إذا علم أنه إن سرق بترت يمينه وشوهت بنيته، ونقصت خلقته، وصار مثلا يضرب، وعارا يذكره الناس به إذا مشى، ونكاية وزجرا لغيره، وامتنع عن مجرد التفكير فيها. فلأجل هذا أوجب الدين الإسلامي قطع يد السارق ليكون ذلك ردعا ومنعا من هذه الفعلة الشنيعة، وقطعا لدابر من تسول لهم أنفسهم بإخافة المجتمع وتعكير صفوه.

وباستقراء ما سبق وتأمله نكاد نستخلص من حكم حد قطع اليد ما يلي:

١ - أنه لا يجوز تعديلها ولا العفو عنها متى علم بها الحاكم الشرعي، ولا يجوز تأخير تنفيذها إلا بمسوغ شرعي، يدل على ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لم يقبل الشفاعة في المخزومية التي سرقت وقال مقالته المشهورة: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها (٢)» متفق عليه.

٢ - هذه العقوبة وهذا الجزاء فيه الردع والمنع لنفس الجاني ولغيره من الجناة الذين يفكرون في فعل مماثل لفعله، فحينما يرى السارق


(١) سورة النساء الآية ٥
(٢) هذا من حديث رواه البخاري في باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، جـ (٨)، ص ١٦، باب ١٢، وكذا رواه مسلم في باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود جـ (٥)، ص ١١٤.